للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومازالتِ الخمر تغتالنا ... وتذهب بالأول فالأول

{بِكَأْسٍ} قال أهل اللغة: العرب تقول للإِناء إِذا كان فيه خمر كأس، فإِذا لم يكن فيه خمرا قالوا: إِناء وقدح قال الشاعر:

وكأسٍ شربتُ على لذةٍ ... وأُخرى تداويتُ منها بها

{يُنزَفُونَ} يسكرون يقال: نُزف الرجل فهو نزيف ومنزوف إذا سكر قال الشاعر:

لعمري لئن أنزفتمو أو صحوتمو ... لبئس النَّدامى كنتم آل أبجرا

التفسِير: {والصافات صَفَّا} افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته، إظهارً لعظم شأنها، وكبر فوائدها، وتنبيهاً للعباد على جلاله قدرها والمعنى: أقسم بهذه الطوائف من الملائكة، الصافات قوائهما في الصلاة، أو أجنحتها في ارتقاب أمر الله قال ابن مسعود: هم الملائكة تصف في السماء في العبادة والذكر صفوفاً، وفي الحديث «ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا: وكيف يا رسول الله؟ قال: يُتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصف» أقسم تعالى بالملائكة تنبيهاً على جلالة قدرهم، وكثرة عبادتهم، فهم مع عظيم خلقهم ورفعة شأنهم لا ينفكون عن عبادة الله، يصطفون للعبادة كاصطفاف المؤمنين في الصلاة، مع الخشوع والخضوع للعزيز الجبار، الذي دانت له الخلائق، وخضعت لجلال هيبته الرقاب، بما فيهم حَمَلة العرش والملائكة الأطهار {فالزاجرات زَجْراً} أي الملائكة التي تزجر السحاب، يسوقونه إلى حيث شاء الله، من الزجر بمعنى السوق والحث {فالتاليات ذِكْراً} وصفٌ ثالثُ للملائكة الأبرار، إشادةً بذكر محاسنهم ومناقبهم العلوية أي وأقسمُ بالملائكة التالين لآيات الله على أنبيائه وأوليائه، مع التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} هذا هو المقسم عليه أي إن إلهكم الذي تعبدونه أيها الناس إله واحدٌ لاشريك له، قال مقاتل: إِن الكفار بمكة قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ وكيف يسع هذا الخلق إله فرد؟ فأقسم الله بهؤلاء تشريفاً، ثم بيَّن تعالى معنى وحدانيته وألوهيته فقال {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي هو تعالى خالق السموات والأرض ومالكهما وما بينهما من المخلوقات والموجودات، فإن وجودهما وانتظامهما على هذا النمط البديع، من أوضح الدلائل على وجود الله ووحدانيته {وَرَبُّ المشارق} أي وهو رب مشارق الشمس ومغاربها في الشتاء والصيف قال الطبريب: واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالة الكلام عليه ثم أخبر عن قدرته بتزيين السماء بالكواكب، بعد أن أخبر عن وحدانيته فقال {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} أي زينا السماء القريبة منكم بالكواكب المنيرة المضيئة، التي تبدو وكأنها جواهر تتلألأ {وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} أي وللحفظ من كل شيطان عاتٍ متمرد، خارج عن طاعة الله قال قتادة: خلقت النجومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>