من الله تعالى، وكان أيوب قد أُصيب في ماله وأهله وبدنه، وبقي في البلاء ثمان عشرة سنة، وقد تقدمت قصته {اركض بِرِجْلِكَ} أي وقلنا له اضرب برجلك الأرض فضربها فنبعت له عين ماءٍ صافية {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي وقلنا له هذا ماءٌ تغتسل به، وشراب تشرب منه، فاغتسل منها فذهب ما كان بظاهر جسده، وشرب منها فذهب كل مرضٍ كان داخل جسده قال أبو حيان:{هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ} أي ما يُغتسل به {وَشَرَابٌ} أي ما يشرب منه، فباغتسالك يبرأ ظاهرك، وبشربك يبرأ باطنك، والجمهور على أن نبعت له عينان، شرب من إحداهما واغتسل من الأُخرى فشفي {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} أي أحيا الله من مات من أولاده ورزقه مثله قال الرازي: الأقرب أن الله تعالى متعته بصحته وبماله وقوَّاه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك وعن الحسن أنه أحياهم بعد أن هلكوا وقال أبو حيان: الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شتت منهم {رَحْمَةً مِّنَّا} أي رحمةً منَّا به لصبره وإِخلاصه {وذكرى لأُوْلِي الألباب} أي وعبرة لذوي العقول المستنيرة قال ابن كثير: أي وذكرى لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} أي وقلنا له خذْ بيدك حزمة من القضبان الرفيعة فاضرب بها زوجتك لتبرَّ بيمينك ولا تحنث قال المفسرون: كان أيوب قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوطٍ إذا برىء من مرضه، وسبب ذلك أنها كانت تخدمه في حالة مرضه، وفلما اشتد به البلاء وطالت به المدة وسوس إليها الشيطان: إلى متى تصبرين؟ فجاءت إلى أيوب وفي نفسها الضجر فقالت له: إلى متى هذا البلاء؟ فغضب من هذا الكلام وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ حزمةً من قضبانٍ خفيفة فيها مئة عود ويضربها بها ضربة واحدةً ويبرَّ في يمينه، ورحمةً من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ولهذا قال تعالى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} أي ابتليناه فوجدناه صابراً على الضراء {نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي نعم العبد أيوب إنه كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والإِنابة والعبادة {واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيدي والأبصار} أي اذكر يا محمد هؤلاء الأنبياء الأخيار وتأسَّ بهم، الذين جمعوا بين القوة في العبادة، والبصائر في الدين قال الطبري: أي أهل القوة في عبادة الله، وأهل العقول المبصرة {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} أي خصصناهم بخصلةٍ خالصة عظيمة الشأن، هي عدم التفاتهم إلى الدنيا وتذكرهم للدار الباقية قال مجاهد: جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم همٌّ غيرها {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} أي وهم عندنا المختارون المجتبون على سائر الناس لأنهم أخيار أبرار {واذكر إِسْمَاعِيلَ واليسع وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار} أي واذكر يا محمد هؤلاء الرسل أيضاً وكلٌّ من خيرة الله فاقتد بهم في