للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَندَاداً} أوثاناً وأصناماً {ظُلَلٌ} جمع ظُلَّة وهي ما يُظل الإِنسان من سقف ونحوه {الطاغوت} من الطغيان وهو مجاوزة الحدِّ والمراد بالطاغوت كل ما عُبد من دون الله من وثن أو بشر أو حجر {أنابوا} رجعوا {غُرَفٌ} منازل رفيعة عالية في الجنة، والغرفة: المنزلة والمكانة السامية ومنه {أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ} [الفرقان: ٧٥] .

التفسِير: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} أي هذا القرآن تنزيلٌ من الله جل وعلا {العزيز} أي القادر الذي لا يُغلب {الحكيم} أي الذي يفعل كل شيء بحكمةٍ وتقدير وتدبير {إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق} أي نحن أنزلنا عليك يا محمد القرآن العظيم متضمناً الحق الذي لا مرية فيه، والصدق الذي لا يشوبه باطل أو هزل {فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} أي فاعبد الله وحده مخلصاً له في عبادتك، ولا تقصد بعملك ونيتك غير ربك {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} أي ألا فانتبهوا أيها الناس: إن الله تعالى لا يقبل إلا مكان خالصاً لوجهه الكريم لأنه المتفرد بصفات الألوهية، المطَّلع على السرائر الضمائر، ومعنى «الخالص» الصافي من شوائب الشرك والرياء {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} أي وهؤلاء المشركون الذين عبدوا من دونه الأوثان يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} أي ما نعبد هذه الآلهة والأصنام إلا ليقربونا إلى الله قربى ويشفعوا لنا عنده قال الصاوي: كان المشركون إذا قيل لهم: من خلقكم؟ ومن خلق السمواتِ والأرض؟ من ربكم ورب آبائكم الأولين؟

فيقولون: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأصنام؟ فيقولون: لتقربنا إلى الله زلفى وتشفع لنا عنده {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي يحكم بين الخلائق يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، فيدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أي لا يوفق للهدى، ولا يرشد للدين الحق من كان كاذباً على ربه، مبالغاً في كفره، وفي الآية إشارة إلى كذبهم في تلك الدعوى {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} أي لو شاء الله اتخاذ ولد على سبيل الفرض والتقدير {لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أي لاختارمن مخلوقاته ما يشاء ولداً على سبيل التبني إذ يستحيل أن يكون ذلك في حقه تعالى بطريق التولد المعروف ولكنه لم يشأ ذلك لقوله {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم: ٩٢] وقوله {مِمَّا يَخْلُقُ} أي من المخلوقات التي أنشأها واخترعها {سُبْحَانَهُ هُوَ الله الواحد القهار} أي تنزه جل وعلا وتقدس عن الشريك والولد، لأنه هو الإِله الواحد الأحد، المنزَّه عن النظير والمثيل، القاهر لعباده بعظمته وجلاله قال في التسهيل: نزَّه تعالى نفسه من اتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد، لأنه لو كان له ولدٌ لكان من جنسه ولا جنس له لأنه واحد، ووصف نفسه بالقهار ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكاً له؟ ثم ذكر تعالى دلائل قدرته وحدانيته وعظمته، فقال: {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق} أي خلقهما على أكمل الوجوه وأبدع الصفات، بالحق الواضح والبراهن الساطع {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل} أي يغشي الليل على النهار، ويغشي النهار على الليل، وكأنه يلفُّ عليه لفَّ اللباس على

<<  <  ج: ص:  >  >>