للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السماء، مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة، وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} أي حتى يظهر لهم أن هذال القرآن حق {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ؟ أي أولم يكفهم رهاناً على صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء؟ وأنه مطَّلع على كل شيء لا تخفى عليه خافية؟ {أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ} ألا استفتاحٌ لتنبيه السامع إلى ما يقال أي ألا فانتبهوا أيها القوم إن هؤلاء المشركين في شكٍ من الحساب والبعث والجزاء، ولهذا لا يتفكرون ولا يمنون {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} أي ألا فانتهوا فإنه تعالى قد أحاط علمه بكل الأشياء جملة وتفصيلاً، فهو يجازيهم على كفرهم.

البَلاَغة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

١ - الطباق بين {بَشِيراً. . وَنَذِيراً} وبين {طَوْعاً. . وكَرْهاً} وبين {مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. . وَمَا خَلْفَهُمْ} وبين {الحسنة. . والسيئة} وبين {مَغْفِرَةٍ. . وعِقَابٍ} وبين {ءَاعْجَمِيٌّ. . وعَرَبِيٌّ} وبين {تَحْمِلُ. . وتَضَعُ} وبين {الخير. . والشر} .

٢ - طباق السلب {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ. . واسجدوا لِلَّهِ} وكذلك {آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ} .

٣ - الالتفات {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} [فصلت: ١٣] بعد قوله {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} [فصلت: ٩] وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، وناسب الإِعراض عن مخاطبتهم لكونهم أعرضوا عن الحق، وهو تناسب حسن.

٤ - الاستعارة التمثيلية {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} [فصلت: ١١] مثَّل تأثير قدرته تعالى في السموات والأرض بأمر السلطان لأحد رعيته أو عبيده بأمر من الأمور وامتثال الأمر سريعاً.

٥ - الاستعارة التصريحية {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ} [فصلت: ٥] ليس هناك على الحقيقة شيء مما قالوه، وإِنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن، وجوامع البيان، فكأنهم من شدة الكراهية له قد صُمَّت أسماعهم عن فهمه، وقلوبهم عن علمه.

٦ - الاستعارة أيضاً {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} شبّه حالهم في عدم قبول المواعظ، وإِعراضهم عن القرآن وما فيه بحال من يُنادى من مكان بعيد، فلا يسمع ولا يفهم ما يُنادى به، والجامع عدم الفهم في كلٍ.

٨ - الأمر التهديدي {اعملوا مَا شِئْتُمْ} خرج الأمر عن صيغته الأصلية إلى معنى الوعيد والتهديد.

٩ - التشبيه المرسل المجمل {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤] ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه فهو مرسل مجمل.

١٠ - إن اللسان عاجز عن تصوير البلاغة في جمال الأسلوب القرآني، فتأمل الروعة البيانية في

<<  <  ج: ص:  >  >>