للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رياض الجنة يتمتعون، في أطيب بقاعها، وفي أعلى منازلها {لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} أي لهم في الجنات ما يشتهونه من أنواع اللذائذ والنعيم والثواب العظيم عند رب كريم قال ابن كثير: فأين هذا من هذا؟ أين من هو في الذل والهوان، ممن هو في روضات الجنان؟ فيا يشاء من مآكل ومشارب وملاذ؟ ولهذا قفال تعالى {ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} أي ذلك النعيم والجزاء هو الفوز الأكبر الذي لا يوازيه شيء قال القرطبي: أي الفضل الذي لا يوصف، ولا تهتدي العقول إلى حقيقة صفته، لأن الحقَّ جلا وعلا إذا قال «كبير» فمن ذا الذي يقدر قدره {ذَلِكَ الذي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي ذلك الإِكرام والإِنعام هو الذي يبشر الله به عباده المؤمنين المتقين، ليتعجلوا السرور ويزدادوا شوقاً إلى لقائه {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى} أي قل لهم يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة شيئاً من الأجر والمال، إلاَّ أن تحفظوا حقَّ القربى ولا تؤذوني حتى أبلغ رسالة ربي قال ابن كثير: أي لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح مالاً، وإِنما أطلب أن تذروني حتى أبلغ رسالات ربي، فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة قال ابن عباس: يقول إلا أن تصلوا ما بين وبينكم من القرابة، وتؤذوني في نفسي لقرابتي منكم {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أي ومن يكتسب ويفعل طاعةً من الطاعات نضاعف له ثوابها {إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ} أي غفور للذنوب شاكر لإِحسان المحسن، لا يضيع عنده عمل العامل، ولهذا يغفر الكثير من السيئات، ويكثِّر القليل من الحسنات {أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً} ؟ أي بل أيقول كفار قريش إن محمداً اختلق الكذب علىلله بنسبة القرآن إليه؟ قال أبو حيان: وهذا استفهام إنكار وتوبيخ للمشركين على هذه المقالة أي مثله لا يُنسب إلى الكذب على الله مع اعترافكم له قبل بالصدق والأمانة {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} أي لو افتريت على الله الكذب كما يزعم هؤلاء المجرمون لختم على قبلك فأنساك هذا القرآن، وسلبه من صدرك، ولكنك لم تفتر على الله كذباً ولهذا أيَّدك وسدَّدك قال ابن كثير: وهذه كقوله جل وعلا

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: ٤٤٤٦] وقال أبو السعود: والآيةُ استشهادٌ على بطلان ما قالوا ببيان أنه عليه السلام لو افترى على الله تعالى لمنعه من ذلك قطعاً، بالختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه، ولم ينطق بحرفٍ من حروفه {وَيَمْحُ الله الباطل} أي يزيل الله الباطل بالكلية {وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ} أي ويثبتُ اللهُ الحق ويوضّحه بكلامه المنزل، وقضائه المبرم وقال ابن كثير: بكلماته أي بحججه وبراهينه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي عالم بما في القلوب، يعلم ما تكنه الضمائر، وتنطوي عليه السرائر وقال القرطبي: والمراد أنك لو حدثت نفسك أن تفتري الكذب لعمله الله وطبع على قلبك {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} هذا امتنانٌ من الرحمن على العباد أي هوجل وعلا بفضله وكرمه يتقبل التوبة من عباده، إِذا أقلعوا عن المعاصي وأنابوا بصدقٍ وإِخلاص نيّة {وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} أي يصفح عن الذنوب صغيرها وكبيرها لمن يشاء {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أي يعلم جميع ما تصنعون من

<<  <  ج: ص:  >  >>