للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يصير به إلى النار {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} أي ولن ينفعكم ويفيدكم اشتراككم في العذاب، ولن يخفف ذلك عنكم شيئاً بسبب ظلمكم، فإِن لكل واحد نصيبه الأوفر منه قال في التسهيل: المراد أنه لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب، ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المكروب في الدنيا إذا رأى غيره قد أصابه مثل ما أصابه لأن المصيبة إذا عمَّت هانت، فدفع تعالى ذلك التوهم بأن اشتراكهم في العذاب، لا يخفِّف عنهم البلاء {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي فأنت يا محمد تقدر أن تسمع هؤلاء الكفار الذين هم كالصُّم والعُمي، ومن كان في ضلالٍ واضح؟ ليس لك ذلك فلا يَضِقْ صدرك إن كفروا قال المفسرون: والآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد كان يجتهد في دعائهم إلى الإِيمان، ولا يزدادون إلاَّ تعامياً عن الحق وطغياناً وضلالاً {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} أي إن عجلنا وفاتك قبل الانتقام منهم، فإِنا سننتقم منهم بعد وفاتك {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} أي أو نرينَّك يا محد العذاب الذي وعدناهم به في حياتك فإِنا قادرون عليهم فهم في قبضتنا لا يفوتوننا قال ابن عباس: قد أراه الله ذلك يوم بدر وقال ابن كثير: المعنى لا بدَّ أن ننتقم منهم ونعاقبهم في حياتك أو بعد وفاتك، ولم يقبض الله تعالى رسوله حتى أقرَّ عينه من أعدائه، وحكَّمه في نواصيهم {فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ} أي فتمسكْ يا محمد بالقرآن الذي أوحيناه لك {إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي فإِنك على الحق الواضح والطريق المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي وإِن هذا القرآن لشرفٌ عظيم لك ولقومك من قريش، إذ أُنزل بلغتهم وعلى رجلٍ منهم وسوف تسألون عن شكر هذه النعمة قال في التسهيل: والذكرُ هنا بمعنى الشرف، وقومُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هم قريشٌ وسائر العرب، فإِنهم نالوا بالإِسلام شرف الدنيا والآخرة، ويكفيك أن فتحوا مشارق الدنيا ومغاربها وصارت فيهم الخلافة والملك، وهذا القرآن شرفٌ لكل من تبعه، وهذه الآية نظير قوله تعالى

{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: ١٠] ؟ {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} هذا على سبيل الفرض، وفي الكلام محذوف أي إن كنت يا محمد شاكاً في أمر التوحيد فسلْ من سبقك من الرسل {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ؟ أي هل هناك أحدٌ من الرسل دعا لعبادة غير الله؟ ولاآية كقوله تعالى {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] قال أبو السعود: والمراد بالآية الاستشهاد بإِجماع الأنبياء على التوحيد، والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه حتى يُكذَّب ويُعادى وقال أبو حيان: ويظهر أن الخطاب للسامع، والسؤال هنا مجاز عن النظر في أديان الأنبياء، هل جاءت عبادة الأوثان في ملةٍ من مللهم؟ وهذا كما يساءل الشعراء الديار والأطلال، ومنه قولهم: سل الأرض من شقَّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإِنها إن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً، وهذا كله من باب المجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>