وجعلناه آيةً وعبرةً لبني إسرائيل، يستدلون بها على قدرة الله تعالى، حيث خُلق من أمٍ بلا أب قال الرازي: أي صيرناه عبرةً عجيبة كالمثل السائر حيث خلقناه من غير أب كما خلقنا آدم {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} أي ولو أردنا لجعلنا بدلاً منكم ملائكةً يسكنون في الأرض يكونون خلفاً عنكم قال مجاهد: ملائكة يعمرون الأرض بدلاً منكم {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} أي وإِن عيسى علامة على قبل الساعة قال ابن عباس وقتادة: إن خروج عيسى عليه السلام من أعلام الساعة لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} أي فلا تشكُّوا في أمر الساعة فإنها آتية لا محالة وفي الحديث
«يوشك أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكماً مقسطاً ... » الحديث {واتبعون هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي وقل لهم يا محمد: ابتعوا هُداي وشرعي، فإِن هذا الذي أدعوكم إليه دينٌ قيّم وطريق مستقيم {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي لا تغتروا بوساوس الشيطان، واحذروا أن يصدكم عن اتباع الحق، فإِنه لكم عدوٌ ظاهر العداوة، حيث أخرج أباكم من الجنة، ونزع عنه لباس النور {وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أي ولما جاء عيسى بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات، قال قد جئتكم بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أيوجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أمور الدين قال ابن جزي: وإِنما قال {بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} دون الكل، لأن الأنبياء إِنما يبيّنون أمور الدين لا أمور الدنيا وقال الطبري: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} أي فاتقوا اللهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعوا أمري فيما أبلغه إليكم من التكاليف {إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} أي إن الله جلا وعلا هو الربُ المعبود لا ربَّ سواه فأخلصوا له الطاعة والعبادة قال ابن كثير: أي أنا وأنتم عبيد له، فقراء إليه، مشتركون في عبادته وحده {هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي هذا التوحيد والتعبد بالشرائع، طريق مستقيم موصلٌ إلى جنات النعيم.