للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ. .} الآية.

التفسِير: {أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات} الاستفهام للإِنكار والمعنى هل يظنُّ الكفار الفجار الذين اكتسبوا المعاصي والآثام {أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي نجعلهم كالمؤمنين الأبرار {سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} أي نساوي بينهم في المحيا والممات؟ لا يمكن أن نساوي بين المؤمنين والكفار، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإِن المؤمنين عاشو على التقوى والطاعة، والكفار عاشوا على الكفر والمعصية، وشتان بين الفريقين كقوله {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] ؟ قال مجاهد: المؤمنُ يموت مؤمناً ويُبعث مؤمناً، والكافر يموت كافراً ويُبعث كافراً {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي ساء حكمهم في تسويتهم بين أنفسهم وبين المؤمنين قال ابن كثير: ساء ما ظنّوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأَبرار والفجار، فكما لا يُجتنى من الشوك العنبُ، كذلك لا ينال الفُجَّار منازل الأبرار {وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق} أي وخلق الله السموات والأرض بالعدل والأمر الحقِّ ليدل بهما على قدرته ووحدانيته {ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي ولكي يُجزى كل إِنسان بعمله، وبما اكتسب من خير أو شر، دون أن يُنقص في ثوب المؤمن أو يُزاد في عذاب الكافر قال شيخ زاده: لمّا خلق تعالى السموات والأرض لإِجل إِظهار الحق، وكان خلقهما من جملة حكمته وعدله، لزم من ذلك أن ينتقم من الظالم لأجل المظلوم، فبثت بذلك حشر الخلائق للحساب {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} أي أخبرني يا محمد عن حال من ترك عبادة الله وعبد هواه} ! قال في البحر: أي هو مطواعٌ لهوى نفسه يتبع ما تدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلَهه قال ابن عباس: ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلاّ ركبه {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} أي وأضلَّ الله ذلك الشقي في حال كونه عالماً بالحق غير جاهل به، فهو أشدُّ قبحاً وشناعةً ممن يضل عن جهل، لأنه يُعرض عن الحقِّ والهُدى عناداً كقوله تعالى

{وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: ١٤] {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} أي وطبع على سمعه وقلبه بحث لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفكر في الآيات والنُّذر {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي وجعل على بصره غطاء حتى لا يبصر الرشد، ولا يرى حجة يستضيء بها {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} ؟ أي فمن الذي يستطيع أن يهديه بعد أن أضله الله؟ لا أحد يقدر على ذلك {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أفلا تعتبرون أيها الناس وتتعظون؟ قال الصاوي: وصف تعالى الكفار بأربعة أوصاف: الأول: عبادة الهوى، والثاني: ضلاله على علم الثالث: الطبع على أسماعهم وقلوبهم الرابع: جعل الغشاوة على أبصارهم، وكلَّ وصفٍ منها مقتضٍ للضلالة، فلا يمكن إِيصال الهدى إليهم بوجهٍ من الوجوه. . ثم حكى تعالى عن المشركين شبهتهم في إنكار القيامة، وفي إِنكار الإِله القادر العليم فقال {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي وقال المشركون: لا حياة إلا هذه الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>