للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسودان تصديقاً لوعده تعالى وقدم علينا أحد ملوك غانة من بلاد التكرور، وقد فتح أكثر من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان، وأسلموا معه وقدم علينا ببعض ملوكهم يحج معه {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} أي فعجَّل لكم غنائم خيبر بدون جهد وقتال {وَكَفَّ أَيْدِيَ الناس عَنْكُمْ} أي ومنع أيدي الناس أن تمتد إِليكم بسوء فقال المفسرون: المراد أيدي أهل خبير وحلفائهم من بني أسد وغطفان، حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله في قلوبهم الرغب {وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} اي ولتكون الغنائم، وفتح مكة، ودخول المسجد الحرام علامة واضحة تعرفون بها صدق الرسول فيما أخبركم به عن الله {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} أي ويهديكم تعالى إلى الطريق القويم، الموصل إلى جنات النعيم بجهادكم وإِخلاصكم قال الإِمام الفخر: والآية للإِشارة إلى أنَّ ما أعطاهم من الفتح والمغانم، ليس هو كل الثواب، بل الجزاء أمامهم، وإِنما هوي شيء عاجل عجَّله لهم لينتفعوا به، ولتكون آية لمن بعدهم من المؤمنين، تدل على صدق وعد الله في وصول ما وعدهم به كما وصل إِليكم {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} أي وغنيمةً أخرى يسَّرها لكم، لم تكونوا بقدرتكم تستطيعون عليها، ولكنَّ الله فضله وكرمه فتحها لكم، والمراد بها فتح مكة {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} أي قد استولى الله عليها بقدرته ووهبها لكم، فهي كالشيء المحاط به من جوانبه محبوسٌ لكم لا يفوتكم {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} أي قادراً على كل شيء، لا يعجزه شيء أبداً، فهو القادر على نصرة أوليائه، وهزم أعدائه قال ابن كثير: المعنى أي وغنميةً أخرى وفتحاً أخر معيناً، لم تكونوا تقدرون عليها، قد يسَّرها الله عليكم وأحاط بها لكم، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين من حيث لا يحتسبون والمرادُ بها في هذه الآية «فتح مكة» وهو أختيار الطبري {وَلَوْ قاتلكم الذين كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأدبار} تذكيرٌ لهم بنعمةٍ أخرى أي ولو قاتلكم أهل مكة ولم يقع الصلح بينكم وبينهم، لغلبوا وانهزموا أمامكم ولم يثبتوا {ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أي ثم لا يجدون من يتولّى أمرهم بالحفظ والرعاية، ولا من ينصرهم من عذاب الله {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ} أي تلك طريقة الله وعادتُه التي سنَّها فيمن مضى من الأمم، من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين قال في البحر: أي سنَّ الله لأنبيائه ورسله سنة قديمة وهي قوله

{كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} [المجادلة: ٢١] {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} أي وسنته تعالى لا تتبدَّل ولا تتغيَّر {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} أي وهو تعالى بقدرته وتدبيره صرف أيدي كفار مكة عنكم كما صرف عنهم أيديككم بالحديبية التي هي قريبة من البلد الحرام قال ابن كثير: هذا امتنانٌ من الله تعالى على عباده المؤمنين، حين كفَّ أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكفَّ أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>