ومرضاته {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ} أي يا معشر المؤمنين، يا من اتصفتم بالإيمان، وصدَّقتم بكتاب الله وبرسوله، لا يهزأ جماعة بجماعة، ولا يسخر أحد من أحد، فقد يكمون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر، وربَّ أشعث أغير ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره {وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} أي ولا يسخر نساء من نساء فعسى أن تكون المحتقر منها خيراً عند الله وأفضل من الساخرة {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب} أي ولا يعب بعضكم بعضاً، ولا يدع بعضكم بعضاً بلقب السوء، وإنما قال {أَنفُسَكُمْ} لأن المسلمين كأنهم نفسٌ واحدة {بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان} أي بئس أن يسمى الإِنسان فاسقاً بعد أن صار مؤمناً قال البيضاوي: وفي الآية دلالة على أن التنابز فسقٌ، والجمع بينه وبين الإِيمان مستقبح {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظالمون} أي ومن لم يتبْ عن اللَّمز والتنابز فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب {ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن} أي ابتعدوا عن التهمة والتخون وإساءة الظنِّ بالأهل والناس، وعبَّر بالكثير ليحتاط الإنسان في كل ظنٍّ ولا يسارع فيه بل يتأملُ ويتحقَّق {إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ} أي إنَّ في بعض الظنِّ إِثم وذنب يستحق صاحبه العقوبة عليه قال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لا تظُنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من أخيكَ المؤمنِ إلا خيراً، وأنت تجدُ لها في الخير محملاً»{وَلاَ تَجَسَّسُواْ} أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوا معايبهم {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} أي لا يذكر بعضكم بعضاً بالسوء في غيبته بما يكرهه {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} تمثيلٌ لشناعة الغيبة وقبحها بما لا مزيد عليه من التقبيح أي هل يحب الواحد منكم أن يأكل لحم أخيه المسلم وهو ميت؟ {فَكَرِهْتُمُوهُ} أي فكما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا الغيبة شرعاً، فإن عقوبتها أشدُّ من هذا.
. شبَّه تعالى الغيبة بأكل لحم الأخ حال كونه ميتاً، وإِذا كان الإِنسان يكره لحم الإِنسان فضلاً عن كونه أخاً، وفضلاً عن كونه ميتاً وجب عليه أن يكره الغيبة بمثل هذه الكراهة أو أشد {واتقوا الله} أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} أي إِنه تعالى كثير التوبة، عظيم الرحمة، لمن اتقى اللهَ وتاب وأناب، وفيه حثٌ على التوبة، وترغيبٌ بالمساعة إلى الندم والاعتراف بالخطأ لئلا يقنط الإِنسان من رحمة الله.