متمسكين بالحق فاختلفوا فبعث الله النبيين ودلّ على المحذوف قوله:{لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ} .
٢ - {أَمْ حَسِبْتُمْ} أم منقطعة والهمزة فيها للإِنكار والاستبعاد أي بل أحسبتم ففيه استفهام إِنكاري.
٣ - {وَلَمَّا يَأْتِكُم} لمّا تدل على النفي مع توقع وقوع المنفي كما قال الزمخشري والمعنى: لمّا ينزل بكم مثل ما نزل بمن قبلكم وسينزل فإِن نزل فاصبروا قال المبرد: إِذا قال القائل: لم يأتني زيد فهو نفي لقولك أتاك زيد؟ وإِذا قال: لما يأتني فمعناه أنه لم يأتني بعد وأنا أتوقعه وعلى هذا يكون إِتيان الشدائد على المؤمنين متوقعاً منتظراً.
٤ - {ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ} في هذه الجملة عدة مؤكدات تدل على تحقق النصر أولاً: بدء الجملة بأداة الاستفتاح «ألا» التي تفيد التأكيد. ثانياً: ذكر «إِنَّ» الدالة على التوكيد أيضاً. ثالثاً: إيثار الجملة الاسمية على الفعلية فلم يقل «ستنصرون» والتعبير بالجملة الاسمية يفيد التأكيد. رابعاً: إضافة النصر إلى رب العالمين القادر على كل شيء.
٥ - {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} وضع المصدر موضع اسم المفعول «كرهٌ» مكان «مكروه» للمبالغة كقول الخنساء:
فإِنما هي إِقبال وإِدبار ...
- {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً ... وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً} بين الجملتين من المحسنات البديعية ما يسمى ب «المقابلة» فقد قابل بين الكراهية والحب، وبين الخير والشر.
فَائدَة: عبّر تعالى بصيغة الواحد عن كتب النبيّين {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب} للإِشارة إِلى أن كتب النبيّين وإِن تعددت هي في لبّها وجوهرها كتاب واحد لاشتمالها على شرع واحد في أصله كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ... }[الشورى: ١٣] الآية.
تنبيه: روى البخاري عن خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: «شكونا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو متوسد بردةً في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إِلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»