وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} أي ينادي المنافقون المؤمنين: ألم نكن معكم في الدنيا، نصلي كما تصلون، ونصوم كما تصومون، ونحضر الجمعة والجماعات، ونقاتل معكم في الغزوات؟ {قَالُواْ بلى ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أي قال لهم المؤمنون: نعم كنتم معنا في الظاهر ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق {وَتَرَبَّصْتُمْ} انتظرتم بالمؤمنين الدوائر {وارتبتم} أي شككتم في أمر الدين {وَغرَّتْكُمُ الأماني} أي خدعتكم الأماني الفارغة بسعة رحمة الله {حتى جَآءَ أَمْرُ الله} أي حتى جاءكم الموتُ {وَغَرَّكُم بالله الغرور} أي وخدعكم الشيطان الماكر بقوله: إن الله عفو كريم لا يعذبكم قال قتادة: ما زالوا على خُدعةٍ من الشيطان حتى قذفهم الله في نار جهنم قال المفسرون: الغرور بفتح الغين الشيطان لأنه يغر ويخدع الإنسان قال تعالى {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً}[فاطر: ٥٦]{فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} أي ففي هذا اليوم العصيب لا يقبل منكم بدلٌ ولا عوضٌ يا معشر المنافقين، ولا من الكفارين الجاحدين بالله وآيات وفي الحديث «إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟! فيقول: نعم يا ربّ، فيقول الله تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو ايسرُ من ذلك في ظهر أبيك آدم، أن لا تشرك بي فأبيتَ إلا الشرك»{مَأْوَاكُمُ النار} أي مقامكم ومنزلكم نار جهنم {هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي هو عونكم وسندكم وناصركم لا ناصر لكم غيرها، وهو تهكم بهم {وَبِئْسَ المصير} أي وبئس المرجع والمنقلب نار جهنم.
قال بعض العلماء:«السعيد من لا يغتر بالطمع ولا يركن إِلى الخدع، ومن أطال الأمل نسي العمل، وغفل عن الأجل» .