وإنما قال {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} لأن الولد إِذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي ولا يخالفن أمرك فيما أمرتهنَّ به من معروف، أو نهيتهن عن منكر، بل يسمعن ويطعن {فَبَايِعْهُنَّ واستغفر لَهُنَّ} أي فبايعهن يا محمد على ما تقدم من الشروط، واطلب لهنَّ من الله الصفح والغفران لما سلف من الذنوب {الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي واسع المغفرة وعظيم الرحمة قال أبو حيان: «كانت» بيعة النساء «في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا، بعدما فرغ من بيعة الرجال، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الصفا وعمر أسفل منه، يبايعهنَّ بأمره ويبلغهنَّ عنه، وما مست يده عليه السلام يد امرأةٍ أجنبيةٍ قطٌّ، وقالت» أسماء بنتُ السكن «: كنتُ في النسوة المبايعات، فقلت يا رسول الله: أُبسط يدك نبايعك، فقال لي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:» إني لا أصافح النساء، لكنْ أخذُ عليهنَّ ما أخذ اللهُ عليهنَّ «وكانت» هند بنت عُتبة «وهي التي شقت بطن حمزة يوم أحد متنكرة في النساء، فلما قرأ عليهن الآية {على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ} قالت وهي متنكرة يا رسول الله: إِن أبا سفيان رجل شحيح، وإِين لأصيب الهنة أي القليل وبعض الشيء من ماله، لا أدري أيحل لي ذلك أملا؟ فقال أبو سفيا: ما أصبتٍ من شيءٍ فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعرفها فقال لها: وإِنك لهنٌ بنتُ عتبة؟ قالت نعم فاعفُ عما سلف يا نبي َّ الله، عفا الله عنك، فلما قرأ {وَلاَ يَزْنِينَ} قالت: أو تزني الحُرة؟ فلما قرأ {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} قالت: ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فلأنتم وهم أعلم وكان بانها حنظلة قد قُتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلما قرأ {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قالت هند: والله إِن البهتان لأمرٌ قبيح، ولا يأمر اللهُ إِلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فلما قرأ {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت: واللهِ ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء»
وأخرج الإِمام أحمد «عن» أميمة بنت رقيقة «أخت السيدة خديجة وخالة فاطمة الزهراء قالت: أتيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في نساءٍ لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن (ألاَّ نشرك بالله شيئاً) الآية وقال:» فيما استطعتنَّ وأطقتُنَّ «فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال:» إني لا أصافح النساء، إِنما قولي لامرأةٍ واحدة قولي لمائة امرأة « {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} أي لا تصادقوا يا معشر المؤمنين الكفرة أعداء الدين، ولا تتخذوهم أحباء وأصدقاء توالونهم وتأخذون بآرائهم، فإِنهم قوم غضب الله عليهم ولعنهم قال الحسن البصري: هم اليهود لقوله تعالى {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم}[الفاتحة: ٧] وقال أبن عباس: هم كفار قريش لأن كلكافر عليه غضبٌ من الله، والظاهر أن الآية عامة كما قال ابن كثير: يعني اليهود والنصارى وسائر الكفار، ممن غضب الله عليه ولعنه {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة} أي أولئك الفجار الذيبن يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} أي كما يئس