للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمهل الله أحداً أياً كان إِذا انتهى أجله، ولن يزيد في عمره، وفيه تحريضٌ على المبادرة بأعمال الطاعات، حذراً أن يجيء الأجل وقد فرَّط ولم يستعد للقاء ربه {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي مطلع وعالم بأعمالكم من خير أو شر، ومجازيكم عليها.

البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من الفصاحة والبيان نوجزها فيا يلي:

١ - التأكيد بالقسم وإِنَّ واللام {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} زيادة في التقرير والبيان.

٢ - الجملة الاعتراضية {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} جاءت معترضة بين الشرط وجوابه لبيان أنهم ما قالوا ذلك عن اعتقاد، ولدفع توهم تكذيبهم في دعواهم الشهاد بالرسالة، والأصلُ {إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله. . والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} فجاءت الجملة اعتراضية بينهما.

٣ - الاستعارة {اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} فإِن أصل الجنَّة ما يُسستر به ويُتقى به المحذور كالترس، ثم استعمل هنا استعارة لأنهم كانوا يظهرون الإِسلام ليعصموا دماءهم وأموالهم.

٤ - الطباق بي {آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا} وبين {الأعز مِنْهَا الأذل} وهو من المحسنات البديعية.

٥ - التشبيه المرسل المجمل {وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} وهو من روائع التشبيه.

٦ - طباق السلب {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} .

٧ - الجملة الدعائية {قَاتَلَهُمُ الله} وهي دعاءٌ عليهم باللعنة والخزي والهلاك.

٨ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات، وهو كثيكر في القرآن يزيد في رونق الكلام.

تنبيه: النفاق لم يكن بمكة وإِنما كان بها الكفر، ولم يظهر النفاق إِلا بالمدينة المنورة حين عزَّ الإِسلام وكثر أنصاره، وقد كان المنافقون يظهرون الإِسلام لصون دمائهم وأموالهم كما قال الشاعر:

وما انتسبوا إِلى الإِسلام إِلاّ ... لصون دمائهم أن لا تُسالا

فَائِدَة: العزةُ غير الكبر، ولا يحل للمسلم أن يُدلُّ نفسه، فالعزة معرفة الإِنسان بحقيقة نفسه، والكبر جهل الإِنسان بنفسه، قيل للحسن بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: إن الناس يزعمون أن فيك كبراً وتيهاً فقال: ليس بتيه ولكنه عزة المسلم ثم تلا الآية {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .

لطيفَة: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال: «من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاةٌ فلم يفعل، سال الرجعة عند الموت، فقال رجلٌ يا ابن عباس: اتق الله فإِنما يسأل الرجعة الكفار!! فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآناً {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ. .} الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>