جليلاً، له هيبة وروعةٌ وجلال، لأنه كلام الملك العلاَّم قال الإِمام الفخر: والمراد من كونه ثقيلاً هو عِظَم قدره، جلالة خطره، وكل شيء نفس وعظم خطره فهو ثقيل، وهذا معنى قول ابن عباس:{قَوْلاً ثَقِيلاً} يعني كلاماً عظيماً، وقيل المراد ما في القرآن من الأوامر والنواهي، التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين، ووجه النظم عندي أنه لما أمره بصلاة الليل فكأنه قال: إنما أمرتك بصلاة الليل، لأنا سنلقي عليك قولاً عظيماً، ولا بد وأن تصيّر نفسك مستعدة لذلك القول العظيم، وذلك بصلاة الليل، فإن الإِنسان إذا اشتغل بعبادة الله في الليلة الظلماء، وأقبل على ذكره والتضرع بين يديه، استعدت نفسه لإِشراق وجلال الله فيها أقول: وهذا المعنى لطيف في الربط بين قيام الليل، وتلاوة القرآن، فإن الله تعالى كلَّف رسوله أن يدعو الناس إلى دين جديد، فيه تكاليف شاقة على النفس، وأن يكلفهم العمل بشرائعه وأحكامه، ولا شك أن مثل هذا التكليف، يحتاج إلى مجاهدة للنفس ومصابرة، لما فيه من حملهم على ترك ما ألفوه من العقائد، ونبذ ما ورثوه من أسلافهم من العادات، فأنت يا محمد معرَّضٌ لمتاعب كثيرة، وأخطار جمة في سبيل هذه الدعوة، وحمل الناس على قبولها، فكيف يمكنك أن تقوم بهذه المهمة الكبيرة، وأنت على ما أنت عليه من التزل والتلفف، والخلود إلى الراحة والسكون، والبعد عن المشاقِّ، ومجاهدة النفس بطول العبادة وكثرة التهجد، ودراسة آيات القرآن دراسة تفهم وتدبر؟ فانشط من مضجعك إِذاً، واسهر معظم ليلك في مناجاة ربك، استعداداً لتحمل مشاق الدعوة، والتبشير بهذا الدين الجديد، ويا لها من لفتةٍ كريمة، تيقَّظَ لها قلبُ النبي الكريم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، فشمَّر عن ساعد الجد والعمل، وقام بين يدي ربه حتى تشققت قدماه.
. ثم بيَّن تعالى فضل إحياء الليل بالعبادة فقال {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل} أي إن ساعات الليل وأوقاته التي فيها التفرغ والصفاء، وما ينشئه المرء ويحدثه من طاعةٍ وعابدة، يقوم لها من مضجعه بعد هدأةٍ من الليل {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} أي هي أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار، لأن الليل جعل للنوم والراحة، فقيامه على النفس أشد وأثقل، ومن شأن هذه الممارسة الصعبة أن تقوّي النفوس، وتشد العزائم، وتصلب الأبدان، ولا ريب أن مصاولة الجاحدين أعداء الله تحتاج إلى نفوس قوية، وأبدان صلبة {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي أثبتُ وأبينُ قولاً، لأن الليل تهدأ فيه الأصوات، وتنقطع فيه الحركات، فتكون النفس أصفى، والذهن أجمع، فإن هدوَّ الصوت في الليل، وسكون البشر فيه، أعون للنفس على التدبر والتفطن، والتأمل في أسرار القرآن ومقاصده {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} أي إن لك في النهار تصرفاً وتقلباً، واشتغالاً طويلاً في شئونك، فاجعل ناشئة الليل لتهجدك وعبادتك قال في التسهيل: السبحُ هنا عبارة عن التصرف في الأعمال والأشغل والمعنى: يكفيك النهار للتصرف في أشغالك، وتفرغ بالليل لعبادة ربك. . وربع أن قرر الخطاب الإِلهي هذه المقدمات التي هي بمثابة تمهيدٍ وبساطٍ للدعوة، انتقل إلى أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بتبليغ الدعوة، وتعليمه كيفية السير فيها عملاً، بعد أن مهدها له نظراً فقال {واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أي استعن على دعوتك بذكر الله ليلاً ونهاراً، وانقطع إليه انقطاعاً تاماً في عبادتك وتوكلك عليه، ولا تعتمد في