لتبعثنَّ ولتحاسبنَّ» دل عليه قوله {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} ؟ . . أقسم تعالى بيوم القيامة لعظمة وهوله، وأقسم بالنفس التي تلوم صاحبها على التقصير في جنب الله، وتستغفر وتنيب مع طاعتها وإِحسانها قال الحسن البصري: هي نفس المؤمن، إن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه: ماذا أردتُ بكلامي؟ وماذا أردتُ بعملي؟ وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} الاستفهام للتوبيخ والتقريع، أي أيظن هذا الإِنسان الكافر، المكذب للبعث والنشور، أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها؟ قال المفسرون: نزلت هذه الآية في «عدي بن ربيعة» جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا محمد: حدثني عن يوم القيامة، متى يكون؟ وكيف أمره؟ فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: لو عاينتُ ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أومن بك، كيف يجمع الله العظام؟ فنزلت هذه الآية، قال تعالى رداً عليه {بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نعيد أطراف أصابعه، التي هي أصغر أعضائه، وأدقها أجزاءً وألطفها التئاماً، فكيف بكبار العظام؟ وإنما ذكر تعالى البنان، وهي رءوس الأصابع لما فيها من غرابة الوضع، ودقة الصنع، لأن الخطوط والتجاويف الدقيقة التي في أطراف أصابع إنسان، لا تماثلها خطوطٌ أُخرى في أصابع شخص آخر على وجه الأرض، ولذلك يعتمدون على بصمات الأصابع في تحقيق شخصية الإِنسان في هذا العصر {بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} أي بل يريد الإِنسان بهذا الإِنكار أن يستمر على الفجور، ويقدم على الشهوات والآثام، دون وازع من خُلُق أو دين، وينطلق كالحيوان ليس له همٌ إلا نيل شهواته البهيمية، ولذلك ينكر القيامة ويكذب بها {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} أي يسأل هذا الكافر الفاجر على سبيل الاستهزاء والتكذيب متى يكون هذا اليوم يوم القيامة؟ قال الرازي: والسؤال هنا سؤال متعنت ومستبعد لقيام الساعة، ونظيره
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد}[يونس: ٤٨] ؟ ولذلك ينكر المعاد ويكذب بالبعث والنشور، والغرض من الآية {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} أن الإِنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات، والاستكثار من اللذات، لا يكاد يُقر بالحشر والنشر، وبعث الأموات، لئلا تتنغص عليه اللذات الجسمانية، فيكون أبداً منكراً لذلك، قائلاً على سبيل الهزء والسخرية: أيَّان يومُ القيامة، قال تعالى رداً على هؤلاء المنكرين {فَإِذَا بَرِقَ البصر} أي فإِذا زاغ البصر وتحيَّر، وانبهر من شدة الأهوال والمخاطر {وَخَسَفَ القمر} أي ذهب ضوءه وأظلم {وَجُمِعَ الشمس والقمر} أي جمع بينهما يوم القيامة، وأُلقيا في النار ليكونا عذاباً على الكفار