للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجملة {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} في هذه السورة عشرة مرات لمزيد الترغيب والترهيب، وفي كل جملة وردت إِخبارٌ عن أشياء عن أحوال الآخرة، وتذكير بأحوال الدنيا، فناسب أن يذكر الوعيد عقيب كل جملة منها بالويل والدمار للكفرة الفجار، ولما كان في سورة الإِنسان السابقة ذكر بعضاً من أحوال الكفار في الآخرة، وأطنب في وصف أحوال المؤمنين هناك، جاء في هذه السورة بالإِطناب في وصف الكفار، والإِيجاز في وصف المؤمنين.

. ثم بعد أن أكد الخبر بيوم القيامة، وأنه حق كائن لا محالة، وبعد أن خوَّف المكذبين من شدة هول ذلك اليوم، وفظاعة ما يقع فيه، عاد فخوَّفهم من بطش الله وانتقامه بأسلوب آخر فقال {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} ؟ أي ألم نهلك السابقين بتكذيبهم للرسل، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود؟ {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} ؟ أي ثم ألحقنا بهم المتأخرين ممن كانوا مثلهم في التكذيب والعصيان، كقوم لوط وشعيب وقوم موسى «فرعون وأتباعه» ومن على شاكلتهم {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي مثل ذلك الإِهلاك الفظيع نفعل بهؤلاء المجرمين «كفار مكة» لتكذيبهم لسيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أي هلاك ودمار لكل مكذب بالتوحيد والبنوة، والبعث والحساب {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} تذكير للمكذبين وتعجيب من غفلتهم وذهولهم عن أبسط الأمور المشاهدة، وهي أن من خلقهم من النطفة الحقيرة الضعيفة كان قادراً على إِعادة خلقهم للبعث والحساب والمعنى: ألم نخلقكم يا معشر الكفار من ماءٍ ضعيف حقير هو منيٌّ الرجل؟ وفي الحديث القدسي يقول الله عَزَّ وَجَلَّ

«ابن آدم أنَّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه» الحديث {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} أي فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز وهو رحم المرأة {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي إِلى مقدار من الزمن محدَّد معيَّن، معلوم عند الله تعالى وهو وقت الولادة، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون} أي فقدرنا على خلقه من النطفة، فنعم القادرون نحن حيث خلقناه في أحسن الصور، وأجمل الاشكال {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أي هلاك ودمار للمكذبين بقدرتنا قال الصاوي: هذه الآية تذكير من الله تعالى للكفار بعظيم إِنعامه عليهم، وقدرته على ابتداء خلقهم، والقادرُ على الابتداء قادر على الإِعادة، ففيها ردٌّ على المنكرين للبعث. . ثم ذكَّرهم بنعمة إِيجادهم على الأرض حال الحياة، ومواراتهم في باطنها بعد الموت فقال {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً} ؟ ألأي ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها كالأم لكم، تجمع الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها؟ قال المفسرون: الكفت: الجمع والضم، فالأرض تجمع وتضم إِليها جميع البشر، فهي كالأم لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدور، والأموات يسكنون في بطنها في القبور {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} [طه: ٥٥] قال الشعبي: بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>