وقوعه، ومكذب منكرٍ لحصوله {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} ردعٌ وزجر أي ليرتدعْ أولئك المكذبون عن التساؤل عن البعث، فيسعلمون حقيقة الحال، حيث يرون البعث أمراً واقعاً، ويرون عاقبة استهزائهم {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} تأكيد للوعيد مع التهويل أي سيعلمون ما يحل بهم من العذاب والنكال. . ثم أشار تعالى إِلى الأدلة الدالة على قدرته تعالى، ليقيم الحجة على الكفار فيما أنكروه من أمر البعث، وكأنه يقول: إِن الإِله الذي قدر على إِيجاد هذه المخلوقات العظام، قادرٌ على إِحياء الناس بعد موتهم فقال {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مِهَاداً} أي ألم نجعل هذه الأرض التي تسكنونها ممهدة للاستقرار عليها، والتقلب في أنحائها؟ جعلناها لكم كالفراش والبساط لتستقروا على ظهرها، وتستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات؟ {والجبال أَوْتَاداً} أي وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض تثبيتها لئلا تميد بكم كما يثبت البيت بالأوتاد قال في التسهيل: شبَّهها بالأوتاد لأنها تمسكُ الأرض أن تميد {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} أي وجعلناكم أيها الناس أصنافاً ذكوراً وإِناثاً، لينتظم أمر النكاح والتناسل، ولا تنقطع الحياة عن ظهر هذا الكوكب الأرضي {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي وجعلنا النوم راحة لأبدانكم، قاطعاً لأشغالكم، تتخلصن به من مشاق العمل بالنهار {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً} أي جعلنا الليل كاللباس يغشاكم ويستركم بظلامه، كما يستركم اللباس، وتغطيكم ظلمته كما يغطى الثوبُ لاَبسه قال في التسهيل: شبهه بالثياب التي تُلبس لأنه سترٌ عن العيون {وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً} أي وجعلنا النهار سبباً لتحصيل المعاش، تتصرفون فيه لقضاء حوائجكم قال ابن كثير: جعلناه مشرقاً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه، بالذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} أي وبنينا فوقكم أيها الناس سبع سمواتٍ محكمة الخلق بديعة الصنع، متينةً في إِحكامها وإِتقانها، لا تتأثر بمرور العصور والأزمان، خلقناها قدرتنا لتكون كالسقف للأرض كقوله تعالى
{وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً}[الأنبياء: ٣٢] وقوله {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات: ٤٧]{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} أي وأنشأنا لكم شمساً منيرة ساطعة، يتوهج ضوءها ويتوقد لأهل لأهل الأرض كلهم، دائمة الحرارة والتوقد قال المفسرون: الوهَّاج المتوقد الشديد الإضاءة، الذي يضطرم ويلتهب من شدة لهبه وقال ابن عباس: المنير المتلألىء {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً} أي وأنزلنا من السحب التي حان وقت إِمطارها ماءً دافقاً منهمراً بشدةٍ وقوة قال في التسهيل: المعصرات هي السحب، مأخوذةٌ من العصر لأن السحاب ينعصر فينزل منه الماء، شبهت السحابة التي حان وقت إِمطارها بالجارية التي قد دنا حيضها {لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً} أي لنخرج بهذا الماء أنواع الحبوب والزروع، التي تنبت في الأرض غذاءً للإِنسان والحيوان {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} أي وحدائق وبساتين كثيرة الأشجاروالأغصان، ملتفةً بعضها على بعض لكثرة أغصانها وتقارب أشجارها. . ذكر