وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي الذي لا شك فيه ولا امتراء، وجواب {لَوْ} محذوفٌ لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله، ولما خُدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» الحديث قال في التسهيل: وجوابُ {لَوْ} محذوفٌ تقديره: لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة، وإِنما حذف لقصد التهويل، فيقدر السامع، أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالى {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار}[الأنعام: ٢٧]{لَتَرَوُنَّ الجحيم} أي أُقسم وأؤكد بأنكم ستشاهدون الجحيم عياناً ويقيناً قال الألوسي: هذا جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدَّد به التهديد، وأوضح به ما أنذره وبعد إِبهامه تفخيماً أي والله لترون الجحيم {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} أي ثم لترونها رؤية حقيقية بالمشاهدة العينية قال في البحر: زاد التوكيد بقوله {عَيْنَ اليقين} نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} أي ثم لتسألنَّ في الآخرة عن نعيم الدنيا من الأمن والصحة، وسائر ما يُتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومركب، ومفرش.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - الوعد والتوبيخ {أَلْهَاكُمُ التكاثر} فقد خرج الخبر عن حقيقته إِلى التذكير والتوبيخ.
٢ - التكرار للتهديد والإِنذار {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعطفه ب {ثُمَّ} للتنبيه على الثاني أبلغ من الأول، كما يقول العظيم لعبده: أقول لك ثم أقول لك لا تفعل، ولكونه أبلغ نُزّل منزلة المغايرة فعطف بثم.
٣ - حذف جواب {لَوْ} للتهويل {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} أي لرأيتم ما تشيب له الرءوس، وتفزع له النفوس من الشدائد والأهوال.
٥ - الكناية {حتى زُرْتُمُ المقابر} كنَّى عن الموت بزيارة القبور والمراد حتى مُتُّم.
٦ - المطابقة بين {النعيم. . الجحيم} .
٧ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية.
تنبيه: روى الترمذي عن عبد الله بن الشخِّير قال: «انتيهت إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يقرأ هذه الآية {أَلْهَاكُمُ التكاثر} فقال:» يقول ابن آدم مالي، مالي، وهل لك من مالك إِلا ما أكلت فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدقتَ فأمضيت «
لطيفَة: روى مسلم عن أبي هريرة قال:» خرج رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذات يوم أو ليلة، فإِذا هو بأبي بكر وعمر، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قال: الجوعُ يا رسول الله، قال: زوأنا