زوجته بنت ثمان وسبعين سنة، فقد اجتمع فيهما الشيخوخة والعقم في الزوجة وكلٌ من السببين مانع من الولد {قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} أي لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر {قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً} أي علامة على حمل امرأتي {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} أي علامتك عليه أن لا تقدر على كلام الناس إِلا بالإِشارة ثلاثة أيام بلياليها مع أنك سويٌّ صحيح والغرض أنه يأتيه مانع سماوي يمنعه من الكلام بغير ذكر الله {واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً} أي اذكر الله ذكراً كثيراً بلسانك شكراً على النعمة، فقد منع عن الكلام ولم يُمنع عن الذكر لله والتسبيح له وذلك أبلغ في الإِعجاز {وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار} أي نزّه الله عن صفات النقص بقولك سبحان الله في آخر النهار وأوله.
وقيل: المراد صلّ لله، قال الطبري: يعني عظّم ربك بعبادته بالعشي والإِبكار.
٢ - {وِإِنِّي أُعِيذُهَا} صيغة المضارع للدلالة على الاستمرار والتجدد.
٣ - {وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} شبهها في نموها وترعرعها بالزرع الذي ينمو شيئاً فشيئاً، والكلام مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها بطريق الاستعارة التبعية.
٤ - {فَنَادَتْهُ الملائكة} المنادي جبريل وعبّر عنه باسم الجماعة تعظيماً له لأنه رئيسهم.
٥ - {بالعشي والإبكار} بين كلمتي العشيّ والإِبكار طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
الفوَائِدَ: الأولى: روي أن «حنَّة» امرأة عمران كانت عجوزاً فبينما هي ذات يوم تحت ظل شجرة إِذ رأت طائراً يطعم فرخه فحنّت إِلى الولد وتمنته وقالت: اللهم إِن لك عليَّ نذراً إِن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته ثم هلك عمران وهي حامل وهذا سر النذر.
الثانية: قال ابن كثير عند قوله تعالى {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} قال: والآية فيها دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة بهذا نظائر كثيرة وساق بسنده عن جابر قصة الجفنة وخلاصتها «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جاع أياماً فدخل على ابنته فاطمة الزهراء يسألها عن الطعام فلم يكن عندها شيء وأرسلت إِليها جارتها برغفيين وقطعة لحم فوضعتها في جفنه ثم رأت الجفنة وقد امتلأت لحماً وخبزاً.»