إِيمانهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من طاعة الله وطاعة رسوله لكان خيراً لهم في عاجلهم وآجلهم وأشد تثبيتاً لإِيمانهم، وأبعد لهم عن الضلال والنفاق {وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً} أي أعطيناهم ثمرة الطاعة ثواباً كثيراً {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} ثم ذكر تعالى ثمرة الطاعة لله ورسوله فقال {وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} أي ومن يعمل بما أمره الله به ورسوله ويجتنب ما نهى الله عنه ورسوله، فإِن الله عَزَّ وَجَلَّ يسكنه دار كرامته في دار الخلد مع المقربين {مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين} أي مع أصحاب المنازل العالية في الآخرة وهم الأنبياء الأطهار والصديقون الأبرار وهم أفاضل أصحاب الأنبياء والشهداء الأخيار وهم الذين استشهدوا في سبيل الله ثم مع بقية عباد الله الصالحين {وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً} أي ونعمت رفقة هؤلاء وصحبتهم، وحَسُن رفيق أولئك الأبرار، عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في شكواه التي قُبض فيها يقول {مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين} فعلمتُ أنه خيِّر {ذلك الفضل مِنَ الله} أي ما أُعطيه المطيعون من الأجر العظيم إِنما هو بمحض فضله تعالى {وكفى بالله عَلِيماً} أي وكفى به تعالى مجازياً لمن أطاع عالماً بمن يستحق الفضل والإِحسان.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة والبديع ما يلي باختصار:
١ - الاستفهام المراد به التعجب في {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ} .
٢ - الالتفات في {واستغفر لَهُمُ الرسول} تفخيماً لشأن الرسول وتعظيماً لاستغفاره ولو جرى على الأصل لقال {واستغفر لَهُمُ} .
٣ - إِيراد الأمر بصورة الإِخبار وتصديره ب «إِنَّ» المفيدة للتحقيق في قوله {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ} للتفخيم وتأكيد وجوب العناية والامتثال.
٤ - الجناس المغاير في {يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً} وفي {قُل لَّهُمْ ... قَوْلاً} وفي {يُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} وفي {يَصُدُّونَ ... صُدُوداً} وفي {فَأَفُوزَ فَوْزاً}[النساء: ٧٣] .
٥ - الاستعارة في قوله {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} استعار ما اشتبك وتضايق من الشجر للتنازع الذي يدخل به بعض الكلام في بعض استعارة للمعقول بالمحسوس.
٦ - تكريم الاسم الجليل {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ}{إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ}{إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً} لتربية المهابة في النفوس.
٧ - الإِطناب في مواضع والحذف في مواضع.
فَائِدَة: عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: جاء رجل إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: إِنك لأحب إِليَّ من نفسي وأحبُّ إِليَّ من أهلي، وإِني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إِليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إِذا دخلت الجنةُ رفعتَ مع النبيين وإِن دخلتُ الجنة