للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكن له نصيب من الأجر {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} أي ومن يشفع شفاعة مخالفة للشرع يكن له نصيب من الوزر بسببها {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} أي مقتدراً فيجازي كل أحدٍ بعمله {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} أي إِذا سلّم عليكم المسلم فردوا عليه بأفضل مما سلّم أو رُدُّوا عليه بمثل ما سلّم {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} أي يحاسب العباد على كل شيء من أعمالهم الصغيرة والكبيرة {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ} هذا قسم من الله بجمع الخلائق يوم المعاد أي الله الواحد الذي لا معبود سواه ليحشرنكم من قبوركم إِلى حساب يوم القيامة الذي لا شك فيه وسيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحدٍ للجزاء والحساب {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} لفظه استفهام ومعناه النفي أي لا أحد أصدق في الحديث والوعد من الله رب العالمين.

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:

١ - الاستعادة في قوله {يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة} أي يبيعون الفانية بالباقية فاستعار لفظ الشراء للمبادلة وهو من لطيف الاستعارة.

٢ - الاعتراض في {كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} .

٣ - التشبيه المرسل المجمل في {يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله} .

٤ - الطباق في {الأمن أَوِ الخوف} .

٥ - جناس الاشتقاق في {أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} وفي {حُيِّيتُم ... فَحَيُّواْ} وفي {يَشْفَعْ شَفَاعَةً} وفي {بَيَّتَ ... يُبَيِّتُونَ} .

٦ - الاستفهام الذي يراد به الإِنكار في {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} .

٧ - المقابلة في قوله {الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت} وكذلك في قوله {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} وهذه من المحسنات البديعية وهي أي يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب.

تنبيه: لا تعَارض بين قوله تعالى {كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله} أي كلٌ من الحسنة والسيئة وبين قوله {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} إِذ الأولى على الحقيقة أي خلقاً وإِيجاداً والثانية تسبباً وكسباً بسبب الذنوب {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] أو نقول: نسبة الحسنة إِلى الله، والسيئة إِلى العبد هو من باب الأدب مع الله في الكلام وإِن كان كل شيء منه في الحقيقة كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «الخير كلُّه بيديك والشرُّ ليس إِليك» والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>