للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يضلله الله فلن تجد له طريقاً إلى السعادة والهدى، ثم حذّر تعالى المؤمنين من موالاة أعداء الدين فقال {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين} أي لا تتركوا موالاة المؤمنين وتوالوا الكفرة المجرمين بالمصاحبة والمصادقة {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} أي أتريدون أن تجعلوا لله حجة بالغة عليكم أنكم منافقون؟ قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن حجةٌ، ثم أخبر تعالى عن مآل المنافقين فقال {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} أي في الطبقة التي في قعر جهنم وهي سبع طبقات قال ابن عباس: أي في أسفل النار، وذلك لأنهم جمعوا مع الكفر الاستهزاء بالإِسلام وأهله، والنارُ دركات كما أن الجنة درجات {وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} أي لن تجد لهؤلاء المنافقين ناصراً ينصرهم من عذاب الله {إِلاَّ الذين تَابُواْ} وهذا استثناء أي تابوا عن النفاق {وَأَصْلَحُواْ} أي أعمالهم ونياتهم {واعتصموا بالله} أي تمسكوا بكتاب الله ودينه {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} أي لم يبتغوا بعملهم إِلا وجه الله {فأولئك مَعَ المؤمنين} أي في زمرتهم يوم القيامة {وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً} أي يعطيهم الأجر الكبير في الآخرة وهو الجنة {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} أي أيُّ منفعةٍ له سبحانه في عذابكم؟ أيتشفى به من الغيظ، أم يدرك به الثأر، أم يدفع به الضر ويستجلب النفع وهو الغنى عنكم؟ {وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً} أي شاكراً لطاعة العباد مع غناه عنهم يعطي على العمل القليل الثواب الجزيل.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات أنواعاً من الفصاحة والبديع نوجزها فيما يلي:

١ - المبالغة في الصيغة في {قَوَّامِينَ بالقسط} أي مبالغين في العدل.

٢ - الطباق بين {غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً} وبين {آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ} .

٣ - الجناس الناقص في {آمَنُواْ آمِنُواْ} لتغير الشكل.

٤ - جناس الاشتقاق في {يُخَادِعُونَ ... خَادِعُهُمْ} وفي {جَامِعُ ... جَمِيعاً} وفي {شَكَرْتُمْ ... شَاكِراً} .

٥ - الأسلوب التهكمي في {بَشِّرِ المنافقين} حيث استعمل لفظ البشارة مكان الإِنذار تهكماً.

٦ - الاستعارة في {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} استعار اسم الخداع للمجازاة على العمل، واللهُ تعالى منزَّه عن الخداع.

٧ - الاستفهام الإِنكاري في {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة} والغرضُ منه التقريع والتوبيخ.

الفوَائِد: الأولى: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ} ليس تكراراً وإِنما معناه اثبتوا على الإِيمان ودوموا عليه كقول المؤمن {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: ٦] أي ثبتنا على الصراط المستقيم.

الثانية: سمى تعالى ظفر المؤمنين فتحاً عظيماً ونسبه إِليه {فَتْحٌ مِّنَ الله} وظفر الكافرين نصيباً {وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} ولم ينسبه إِليه وذلك لتعظيم شأن المسلمين، وتخسيس حظ الكافرين.

الثالثة: قال المفسرون: النار سبع دركات أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعيرة، ثم سقرن ثم الجحيم، ثم الهاوية وقد تسمى بعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها، كذا في البحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>