قال تعالى {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي أخذناهم بالهلاك والعذاب فجأةً من حيث لا يدرون {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا} أي ولو أن أهل تلك القرى الذين كَذَّبوا وأُهلكوا آمنوا بالله ورسله واتقوا الكفر والمعاصي {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء} أي لوسّعنا عليهم الخير من كل جانب وقيل: بركاتُ السماء المطرُ، وبركات الأرض الثمارُ، قال السدي: فتحنا عليهم أبواب السماء والأرض بالرزق {والأرض ولكن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي ولكنْ كذّبوا الرسل فعاقبناهم بالهلاك بسوء كسبهم {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ} الهمزة للإِنكار أي هل أمن هؤلاء المكذبون أن يأتيهم عذابنا ليلاً وهم نائمون غافلون عنه؟ {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} ؟ أم هل أمنوا أن يأتيهم عذابنا ونكالنا نهاهراً جهاراً وهم يلهون ويشتغلون بما لا يُجدي كأنهم يلعبون؟ {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون} أي أفأمنوا استدارجه إياهم بالنعمة حتى يهلكوا في غفلتهم؟ فإنه لا يأمن ذلك إلا القوم الذين خسروا عقولهم وإنسانيتهم فصاروا أخسَّ من البهائم قال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفقٌ خائفٌ وجلٌ، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو مطمئن آمن {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ} أي أولم يتضح ويتبيّن للذين يخلفون الأرض بعد هلاك أهلها الذين كانوا يعمرونها قبلهم، والمراد بها كفار مكة ومن حولهم {أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} أي لو أردنا لأهلكناهم بسبب ذنوبهم كما أهلكنا من قبلهم قال في البحر: أي قد علمتم ما حلّ بهم أفما تحذرون أن يحل بكم ما حلّ بهم فذلك ليس بممتنع علينا لو شئنا {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي ونختم على قلوبهم فلا يقبلون موعظةً ولا تذكيراً سماع منتفع بهما {تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} أي تلك القرى المذكورة نقصُّ عليك يا محمد بعض أخبارها وما حصل لأهلها من الخسف والرجفة والرجم بالحجارة ليعتبر بذلك من يسمع وما حدث أهولُ وأفظع {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي جاءتهم بالمعجزات والحجج القاطعات {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} أي ما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل لتكذيبهم إياهم قبل مجيئهم بالمعجزات وبعد مجيئهم بها فحالهم واحد في العتو والضلال قال الزمخشري: أي استمروا على التكذيب من لدنْ مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرّين لا يرعوون مع تكرر المواعظ عليهم وتتابع الآيات {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} أي مثل ذلك الطبع الشديد المحكم نطبع على قلوب الكافرين فلا يكاد يؤثر فيهم النُّذر والآيات، وفيه تحذير للسامعين {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أي ما وجدنا لأكثر الناس من وفاء للعهد بل وجدناهم خارجين عن الطاعة والامتثال قال ابن كثير: والعهد الذي أخذه هو ما فطرهم عليه وأخذه عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم فخالفوه وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة من عقل ولا شرع {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بِآيَاتِنَآ} أي ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذكرهم موسى بن عمران بالمعجزات الباهرات والحجج الساطعات {إلى فِرْعَوْنَ