يصدِّق الله فيما يقول، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به لعلمه بإِخلاصهم {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} أي وهو رحمة للمؤمنين لأنه كان سبب إِيمانهم {والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي والذين يعيبون الرسول ويقولون ما لا يليق بجنابه الشريف لهم عذاب موجع في الآخرة {يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا شيئاً فيه انتقاص للرسول ليرضوكم بتلك الأيمان {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإِرضاء، ولا يكون ذلك إِلا بالطاعة، والمتابعة، وتعظيم أمره عليه السلام {إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} أي إِن كانوا حقاً مؤمنين فليرضوا الله ورسوله {أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنه من يعادي ويخالف الله والرسول، والاستفهام للتوبيخ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا} أي فقد حق دخوله جهنم وخلوده فيها {ذلك الخزي العظيم} .
أي ذلك هو الذل العظيم، والشقاء الكبير، المقرون بالفضيحة حيث يفتضحون على رءوس الأشهاد {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} أي يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تكشف عما في قلوبهم من النفاق {قُلِ استهزءوا} أي استهزئوا بدين الله كما تشتهون وهو أمر للتهديد كقوله {اعملوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت: ٤٠]{إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} أي مظهر ما تخفونه وتحذرون ظهوره من النفاق، قال الزمخشري: كانوا يستهزئون بالإِسلام ويحذرون أن يفضحهم الله بالوحي، حتى قال بعضهم: والله لا أرانا إِلا شر خلق الله، ولوددت أني جلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب، في حقك وفي حق الإِسلام، ليقولون لك ما كنا جادين، وإِنما كنا نمزح ونلعب للترويح عن النفس قال الطبري: بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يسير في غزوته إِلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: انظروا إِلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات!! فأطلع الله نبيه فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي الله: إِنما كنا نخوض ونلعب فنزلت {قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} أي قل لهؤلاء المنافقين: أتستهزئون بدين الله وشرعه، وكتابه ورسوله؟ والاستفهام للتوبيخ، ثم كشف تعالى أمرهم وفضح حالهم فقال {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي لا تعتذروا بتلك الأيمان الكاذبة فإِنها لا تنفعكم بعد ظهور أمركم، فقد أظهرتم الكفر بإِيذاء الرسول بعد إظهاركم الإِيمان {إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ} أي إِن نعف عن فريقٍ منكم لتوبتهم وإِخلاصهم {نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} أي نعذب فريقاً آخر لأنهم أصروا على النفاق والإِجرام {المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} أي المنافقون والمنافقات صنف واحد، وهم متشابهون في النفاق والبعد عن الإِيمان، كتشابه أجزاء الشيء الواحد قال في الكشاف: وأريد بقوله {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في قولهم {وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ}[التوبة: ٥٦] ثم وصفهم بما يدل على مخالفة حالهم لحال المؤمنين فقال {يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ