جزاء {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} أي لا ينبغي خروج جميع المؤمنين للغزو بحيث تخلو منهم البلاد، روي عن ابن عباس أنه تعالى لما شدد على المتخلفين قالوا: لا يتخلف منا أحد عن جيشٍ أو سرية أبداً، فلما قدم الرسول المدينة وأرسل السرايا إِلى الكفار، نفر المسلمون جميعاً إِلى الغزو وتركوه وحده بالمدينة فنزلت هذه الآية {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} أي فإِذا لم يكن نفير الجميع ولم يكن فيه مصلحة فهلا نفر من كل جماعة كثيرة فئة قليلة {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} أي ليصبحوا فقهاء ويتكلفوا المشاق في طلب العلم {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} أي وليخوفوا قومهم ويرشدوهم إِذا رجعوا إِليهم من الغزو، لعلهم يخافون عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه قال الألوسي: وكان الظاهر أن يقال
{ليعلموا}[الكهف: ٢١] بدل {َلِيُنذِرُواْ} و {لِّيَتَفَقَّهُواْ} بدل {يَحْذَرُونَ} لكنه اختير ما في النظم الجليل للإِشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المعلم: الإِرشاد والإِنذار، وغرض المتعلم: اكتساب الخشية لا التبسط والاستكبار {ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار} أي قاتلوا القريبين منكم وطهروا ما حولكم من رجس المشركين ثم انتقلوا إلى غيرهم، والغرض إِرشادهم إِلى الطريق الأصوب والأصلح، وهو أن يبتدئوا من الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} أي وليجد هؤلاء الكفار منكم شدة عليهم {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} أي واعلموا أن من اتقى الله كان الله معه بالنصر والعون {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} أي من سور القرآن {فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً} أي فمن هؤلاء المنافقين من يقول استهزاء: أيكم زادته هذه إِيماناً؟ على وجه الاستخفاف بالقرآن كأنهم يقولون: أي عجب في هذا وأي دليل في هذا؟ يقول تعالى {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي فأما المؤمنون فزداتهم تصديقاً وذلك لما يتجدد عندهم من البراهين والأدلة عند نزول كل سورة {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي وهم يفرحون لنزولها لأنه كلما نزل شيء من القرآن ازدادوا إِيماناً {وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي وأما المنافقون الذين في قلوبهم نفاق وشك في دين الله {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ} أي زادتهم نفاقاً إِلى نفاقهم وكفراً إِلى كفرهم، فازدادوا رجساً وضلالاً فوق ما هم فيه من الرجس والضلال {وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} أي ماتوا على الكفر {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي أوَلا يرى هؤلاء المنافقون الذين تُفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين حين ينزل فيهم الوحي؟ {ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي ثم لا يرجعون عما هم فيه من النفاق ولا يعتبرون {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصرفوا} أي وإِذا أنزلت سورة من القرآن فيها عيب المنافقين وهم في مجلس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نظر بعضهم لبعض هل يراكم أحد من المسلمين لننصرف، فإِنا لا نصبر على استماعه وهو يفضحنا ثم قاموا فانصرفوا {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} جملة دعائية أي صرفها عن الهدى والإِيمان {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أي لأجل أنهم لا يفهمون الحق ولا يتدبرون فهم حمقى غافلون {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي لقد جاءكم أيها