لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق كان يجالس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر وقال القرطبي: أخبر عن معاداة المشركين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين، ويظنون أنه تخفى على الله أحوالهم والمعنى إنهم يطوون صدورهم على عداوة النبي والمؤمنين، يريدون بذلك أن يستخفوا من الله حتى لا يفتضح أمرهم {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي حين يتغطون بثيابهم {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي يعلم تعالى ما يُبْطنون وما يُظهرون وكأن الآية تقول: لا تظنوا أن تغطيتكم تحجبكم عن الله بل الله يعلم سرائركم وزواهركم لا تخفى عليه خافية من أحوالكم {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي عالم بما في القلوب {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} أي ما من شيء يدب على وجه الأرض من إنسان أو حيوان إِلا تكفَّل الله برزقه تفضلاً منه تعالى وكرماً، فكما كان هو الخالق كان هو الرازق {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} قال ابن عباس: مستقرها حيث تأوي إِليه من الأرض، ومستودعها الموضع الذي تموت فيه فتدفن {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي كلٌّ من الأرزاق، والأقدار، والأعمار، مسطَّرٌ في اللوح المحفوظ {وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي خلقها في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، وفيه الحث للعباد على التأني في الأمور فإِن الإِله القادر على خلق الكائنات بلمح البصر خلقها في ستة أيام {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء} أي وكان العرش قبل خلقهما على الماء قال الزمخشري: أي ما كان تحته خلق، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أي خلقهن لحكمة بالغة ليختبركم فيظهر المحسنُ من المسيء، ويجازيكم حسب أعمالكم {وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت} أي ولئن قلت يا محمد لأولئك المنكرين من كفار مكة إِنكم ستبعثون بعد موتكم للحساب {لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي ليقولنَّ الكفار المنكرون للبعث والنشور ما هذا القرآن إِلا سحرٌ واضح مكشوف {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} أي إِلى مدةٍ من الزمن قليلة {لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} أي ليقولُنَّ استهزاءً ما يمنعه من النزول؟ {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} أي ألا فلينتبهوا فإِنه يوم يأتيهم العذاب ليس مدفوعاً عنهم {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أي نزل وأحاط بهم جزاء ما كانوا به يستهزئون {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} أي أنعمنا على الإِنسان بأنواع النعم من الصحة، والأمن، والرزق وغيرها من النعم {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أي ثم سلبنا تلك النعم منه {إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} أي قنوط من رحمة الله، شديد الكفر به {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} أي ولئن منحنا الإِنسان نعمة من بعد ما نزل به من الضر، وما أصابه من البلاء، كالفقر والمرض والشدة {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني} أي انقطع الفقر والضيق والمصائب ولن تصيبني بعد اليوم {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي بطرٌ بالنعمة مغترٌ بها، متعاظم على الناس بما أُوتي، والآيةُ ذمٌ لمن يقنط عند الشدائد، ويبطر عند النعم {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي هذه عادة الإِنسان إِلا المؤمنين الذين يصبرون على الضراء، ويفعلون الخير في النعماء، فهم في حالتي المحنة والنعمة محسنون {أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أي أولئك