للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} أي ولتجدنَّ اليهود أشدّ الناس حرصاً على الحياة، وأحرص من المشركين أنفسهم، وذلك لعلمهم بأنهم صائرون إِلى النار لإِجرامهم {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ} أي وما طول العمر - مهما عمر - بمبعده ومنجيه من عذاب الله {والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي مطّلع على أعمالهم فيجازيهم عليها {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ} أي قل لهم يا محمد من كان عدواً لجبريل فإِنه عدو لله، لأن الله جعله واسطة بينه وبين رسله فمن عاداه فقد عادى الله {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} أي فإِن جبريل الأمين نزّل هذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر الله تعالى {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية {وَهُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي وفيه الهداية الكاملة، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} أي من عادى الله وملائكته ورسله، وعادى على الوجه الأخص «جبريل وميكائيل» فهو كافر عدو لله {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} لأن الله يبغض من عادى أحداً من أوليائه، ومن عاداهم عاده الله، ففيه الوعيد والتهديد الشديد.

سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنه ليس نبيٌّ من الأنبياء إِلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبُك حتى نتابعك؟ قال: جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك فأنزل الله {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} الآية.

البَلاَغَة: ١ - {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} فيه استعارة مكنية، شبّه حبَّ عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وطوى ذكر المشبه به ورمز بشيء من لوازمه وهو الإِشراب على طريق الاستعارة المكنية، قال في تلخيص البيان: «وهذه استعارة والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبة فما زجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ» .

٢ - {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} إِسناد الأمر إِلى الإِيمان تهكمٌ بهم كقوله {أصلاوتك تَأْمُرُكَ} [هود: ٨٧] وكذلك إِضافة الإِيمان إِليهم، أفاده الزمخشري.

٣ - التنكير في قوله {على حَيَاةٍ} للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين.

٤ - {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} الجملة واقعة في جواب الشرط وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح لأنها تفيد الثبات، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال {عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} بدل عدوٌ لهم لتسجيل صفة الكفر عليهم، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين.

٥ - {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وجاء بعد ذكر الملائكة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام للتشريف والتعظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>