للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نبيه الكريم {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} أي لا تجد من ينصرك منا أو يدفع عنك عذابنا {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا} أي وإن كاد المشركون بمكرهم وإزعاجهم أن يخرجوك يا محمد من أرض مكة {وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك إلا زمناً يسيراً وفق سنة الله التي لا تتبدل مع الذين يخرجون رسلهم من أوطانهم قال قتادة: همَّ أهلُ مكة بإخراج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من مكة ولو فعلوا ذلك ما أمهلوا ولكنَّ الله تعالى منعهم من إخراجه حتى أمره بالخروج {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} أي هذه عادة الله مع رسله في إهلاك كل أمةٍ أَخرجتْ رسولَها من بين أظهرهم {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} أي لن تجد لها تبديلاً أو تغييراً {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ اليل} أي حافظ يا محمد على الصلاة في أوقاتها من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت ظلمة الليل {وَقُرْآنَ الفجر} أي وأقم صلاة الفجر، وإنما عبَّر عنها بقرآن الفجر لأنه تطلب إطالة القراءة فيها {إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} أي تشهده ملائكة الليل والنهار كما في الحديث

«يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر ... .» الحديث، قال المفسرون: في الآية الكريمة إشارة إلى الصلوات المفروضة، فدلوكُ الشمس زوالُها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغَسَقُ الليل ظلمتُه وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الفجر، فالآية رمزٌ إلى الصلوات الخمس {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} أي وقم من الليل بعد النوم متهجداً بالقرآن فضيلةً وتطوعاً لك {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} أي لعلَّ ربك يا محمد يقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام «الشفاعة العظمى» قال المفسرون: {عسى} في كلام الله للتحقيق لأنه وعد كريم وهو لا يتخلف ولهذا قال ابن عباس: عسى من الله واجبة أي تفيد القطع {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} أي قل يا رب أدخلني قبري مُدْخل صدق أي إدخالاً حسناً {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} أي أخرجني من قبري عند البعث إخراجاً حسناً هذا قول ابن عباس، وقال الحسن والضحاك: المراد دخوله المدينة المنورة، وخروجه من مكة المكرمة وذلك حين أخرجه المشركون بعد أن تآمروا على قتله صلوات الله وسلامه عليه {واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} أي اجعل لي من عندك قوةً ومَنَعة تنصرني بها على أعدائك وتُعزُّ بها دينك، وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلا دينه على سائر الأديان {وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل} أي سطع نور الحق وضياؤه وهو الإسلام، وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادةُ الأصنام، فلا شرك ولا وثنية بعد إشراق نور الإِيمان {إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً} أي إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت لأنه يضمحل ويتلاشى، وإن كانت له صولةٌ وجولة فسرعان ما تزول كشعلة الهشيم ترتفع عالياً ثم تخبو سريعاً، روي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة عام الفتح كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: {جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً} فما بقي

<<  <  ج: ص:  >  >>