للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ستراً وحاجزاً {فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا} أي أرسلنا إليها جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} أي تصوَّر لها في صورة البشر التام الخلقة قال ابن عباس: جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعْدَ الشعر مستوى الخلقة قال المفسرون: إنما تمثل لها في صورة الإنسان لتسأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرتْ ولم تقدر على السماع لكلامه، ودلَّ على عفافها وورعها أنها تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفائقة في الحسن {قَالَتْ إني أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} أي فلما رأته فزعت وخشيتْ أن يكون إنما أرادها بسوء فقالت: إني أحتمي وألتجئ إلى الله منك، وجواب الشرط محذوفٌ تقديره إن كنت تقياً فاتركني ولا تؤذني {قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} أي قال لها جبريل مزيلاً لما حصل عندها من الخوف: ما أنا إلا ملَكٌ مرسلٌ من عند الله إليك ليهبَ لك غلاماً طاهراً من الذنوب {قَالَتْ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} أي كيف يكون لي غلام؟ وعلى أيّ صفةٍ يوجد هذا الغلام مني؟ {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} أي ولستُ بذاتِ زوج حتى يأتيني ولد ولستُ بزانية {قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي كذلك الأمر حكم ربُّك بمجيء الغلام منك وإن لم يكن لك زوج، فإنَّ ذلك على الله سهل يسير {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا} أي وليكون مجيئه دلالةّ للناس على قدرتنا العجيبة ورحمة لهم ببعثته نبياً يهتدون بإرشاده {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} أي وكان وجوده أمراً مفروغاً منه لا يتغّير ولا يتبدل لأنه في سابق علم الله الأزلي {فَحَمَلَتْهُ فانتبذت بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} انتهى الحوار بين الروح الأمين ومريم العذراء قال المفسرون: إن جبريل نفخ في جيب درعها فدخلت النفخة في جوفها فحملت به وتنحت إلى مكان بعيد ومعنى الآية أنها حملت بالجنين فاعتزلت - وهو في بطنها - مكاناً بعيداً عن أهلها خشية أن يعيرّوها بالولادة من غير زوج {فَأَجَآءَهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة} أي فألجأها ألم الطَّلق وشدة الولادة إلى ساق نخلةٍ يابسة لتعتمد عليه عند الولادة {قَالَتْ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} أي قالت يا ليتني كنت قد مِتُّ قبل هذا اليوم وكنت شيئاً تافهاً لا يُعرف ولا يُذكر قال ابن كثير: عرفت أنها ستُبتلى وتُمتحن بهذا المولود فتمنت الموت لأنها عرفت أن الناس لا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عاهرة زانية ولذلك قالت ما قالت {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي} أي فناداها الملك من تحت النخلة قائلاً لها: لا تحزني لهذا الأمر {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} أي جعل لك جدولاً صغيراً يجري أمامك قال ابن عباس: ضرب جبريل برجله الأرض فظهرت عين ماءٍ عذب فجرى جدولاً {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} أي حركي جذع النخلة اليابسة {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} أي يتساقط عليك الرُّطب الشهيُّ الطريُّ قال المفسرون: أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع بعد رؤيتها عين الماء العذب الذي جرى جدولاً، وذلك ليسكن ألمها وتعلم أن ذلك كرامة من الله لها {فَكُلِي واشربي} أي كلي من هذا الرطب الشهي، واشربي من هذا الماء العذب السلسبيل {وَقَرِّي عَيْناً} أي طيبي نفساً بهذا المولود

<<  <  ج: ص:  >  >>