معاناةٍ أو تعب، ومن كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟ قال المفسرون: وهذا كالدليل لما سبق كأنه قال: إن اتخاذ الولد شأن العاجز الضعيف المحتاج الذي لا يقدر على شيء، وأما القادر الغني الذي يقول للشيء {كُن فَيَكُونُ} فلا يحتاج في اتخاذ الولد إلى إحبال الأنثى وحيث أوجده بقوله {كُن} لا يسمى ابناً له بل هو عبده، فهو تبكيتٌ وإلزام لهم بالحجج الباهرة {وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي وممّا أمرَ به عيسى قومَه وهو في المهد أن أخبرهم أن الله ربه وربهم فليفردوه بالعبادة هذا هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} أي اختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى وصاروا أحزاباً متفرقين، فمنهم من يزعم أنه ابن الله، ومنهم من يزعم أنه ابن زنى {فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي ويلٌ لهم من المشهد الهائل ومن شهود هول الحساب والجزاء {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} أي ما أسمعهم وأبصرهم في ذلك اليوم الرهيب {لكن الظالمون اليوم فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي لكنْ الظالمون في هذه الدنيا في بعدٍ وغفلة عن الحق واضح جلي {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} أي أنذر الخلائق وخوّفهم يوم القيامة يوم يتحسر المسيء إذ لم يُحسن، والمقصر إذ لم يزدد من الخير {إِذْ قُضِيَ الأمر} أي قُضي أمرُ الله في الناس، فريقٌ في الجنة وفريق في السعير {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} أي وهم اليوم في غفلةٍ سادرون {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي لا يصدقون بالبعث والنشور {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} أي نحن الوارثون للأرض وما عليها من الكنوز والبشر {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} أي مرجع الخلائق ومصيرهم إلينا للحساب والجزاء.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الكناية {وَهَنَ العظم مِنِّي} كناية عن ذهاب القوة وضعف الجسم.
٢ - الاستعارة {اشتعل الرأس شَيْباً} شبّه انتشار الشيب وكثرته باشتعال النار في الحطب واستعير الاشتعال للانتشار واشتق منه اشتعل بمعنى انتشر ففيه استعارة تبعية.
٧ - السجع {سَرِيّاً، بَغِيّاً، صَبِيّاً، نَبِيّاً} وهو من المحسنات البديعة.
تنبيه: في يوم القيامة تشتد الحسرات حتى لكأن اليوم ممحض للحسرة لا شيء فيه سواها، وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:«» إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة: هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون - أي يمدون أعناقهم - وينظرون ويقولون نعم هذا الموت، ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت، فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة. .} الآية «.