نعمة الله ويجحدها {حَدَبٍ} الحدب: ما ارتفع من الأرض مأخوذ من حدبة الظهر قال عنترة:
فما رعِشتْ يداي ولا ازدهاني ... تواترهم إليَّ من الحِداب
{يَنسِلُونَ} يسرعون يقال: نسل الذئب ينسل نسلاناً أي أسرع {حَصَبُ} الحصب: ما توقد به النار كالحطب وغيره {زَفِيرٌ} أنين وتنفس شديد {حَسِيسَهَا} الحسيس: الصوتُ والحسُّ والحركة الذي يُحس به من حركة الأجرام {السجل} الصحيفة لأن بها يُسجل المطلوب.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} شقَّ ذلك على كفار قريش وقالوا: شتم آلهتنا واتوا ابن الزَّبعري وأخبروه فقال: لو حضرتُه لرددتُ عليه قالوا: وما كنت تقول له؟ قال أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى، وهذا عزير تعبده اليهود؛ أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته وأوا أنَّ محمداً قد خصم فأنزل الله {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} .
التفسِير:{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} أي واذكر قصة نبيّ الله أيوب حين دعا ربَّه بتضرع وخشوع {أَنِّي مَسَّنِيَ الضر} أي نالني البلاء والكرب والشدة قال المفسرون: كان أيوب نبياً من الروم، وكان له أولاد ومال كثير، فأذهب الله ماله فصبر، ثم أهلك الأولاد فصبر، ثم سلَّط البلاء والمرض على جسمه فصبر فمر عليه ملأ من قومه فقالوا: ما أصابه هذا إلا بذنب عظيم فعند ذلك تضرَّع إلأى الله فكشف عنه ضره {وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} أي أكثرهم رحمة فارحني، ولم يصرّح بالدعاء ولكنه وصف نفسه بالعجز والضعف، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فكان فيه من حسن التلطف ما ليس في التصريح بالطلب {فاستجبنا لَهُ} أي أجبنا دعاءه وتضرعه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} أي أزلنا ما أصابه من ضر وبلاء {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} قال ابن مسعود: مات أولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإناث فلما عوفي أُحيوا له وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات. والمعنى أعطيناه أهله في الدنيا ورزقناه من زوجته مثل ما كان له من الأولاد والأتباع {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} أي من أجل رحمتنا إِيّأه {وذكرى لِلْعَابِدِينَ} أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبوا كما صبر قال القرطبي: أي وتذكيراً للعُبَّاد لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب ومحنته وصبره وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا مثل ما فعل أيوب وهو أفضل أهل زمانه، يُروى أنَّ أيوب مكث في البلاء ثمان عشرة سنة فقالت له امرأته يوماً: لو دعوتَ الله عَزَّ وَجَلَّ فقال لها: كم لبثنا في الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة فقال: إني أستحيي من الله أن أدعوه وما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} أي واذكر لقومك قصة إسماعيل بن إِبراهيم وإِدريس بن شيث وذا الكفل {كُلٌّ مِّنَ الصابرين} أي كل من هؤلاء الأنبياء من أهل الإِحسان والصبر، جاهدوا في الله