موافقاً لأهوائهم الفاسدة، ومتمشياً مع رغباتهم الزائغة {لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ} أي لفسد نظام العالم أجمع علويُّه وسفليُّه، وفسد من فيه من المخلوقات لفساد أهوائهم واختلافهم قال ابن كثير: وفي هذا كله تبيين عجز العباد، واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتدبيره لخلقه {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أي بل أتيناهم بما فيه فخرهم وشرفهم، وهو هذا القرآن العظيم الذي أكرمهم الله تعالى به {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي فهم معرضون عن هذا القرآن العظيم وكان اللائق بهم الانقياد له وتعظيمه لأنه شرفهم وعزُّهم، وأعاد لفظ «الذكر» تعظيماً للقرآن {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} أي أم تسألهم يا محمد أجراً على تبيلغ الرسالة فلأجل ذلك لا يؤمنون، وفي هذا تشنيعٌ عليهم لعدم الإِيمان فمحمد لا يطلب منهم أجراً فيلماذا إِذاً يكذبونه ويعادونه؟ {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي رزق الله وعطاؤه خيرٌ لك يا محمد {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أي هو تعالى أفضلُ من أعطى ورزق لأنه يعطي لا لحاجة، وغيره يعطي لحاجة {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي وإنك يا محمد لتدعوهم إِلى الطريق المستقيم وهو الإِسلام الموصل إلى جنات النعيم {وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ} أي وإِنَّ الذين لا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب لعادلون عن الطريق المستقيم منحرفون عنه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعارة اللطيفة {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} أصل الغمرة الماء الذي يغمر القامة، شبَّه ما هم فيه من الجهالة والضلالة بالماء الذي يغمر الإِنسان من فرقة إلى قدمه على سبيل الاستعارة.
٣ - حذف الرابط في {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات} حذف «به» أي نسارع لهم به في الخيرات، وحسن حذفه لاستطالة الكلام مع أمن اللبس.
٤ - الطباق بين {يُؤْمِنُونَ. . يُشْرِكُونَ} .
٥ - الاستعارة البديعة {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق} النطق لا يكون إلا ممن يتكلم بلسانه، والكتاب ليس له لسان، فوصف سبحانه الكتاب بالنطق مبالغة وصفه بإِظهار البيان وإِعلان البرهان، وتشبيهاً باللسان الناطق بطريق الاستعارة.