وأشقياء، وختم السورة ببيان الحكمة من حشر الناس إِلى دار الجزاء وأنه لولا لاقيمة لما تميز المطيع من العاصي ولا البرُّ من الفاجر.
اللغَة:{مُبْلِسُونَ} يائسون متحيرون، والإِبلاس: اليأس من كل خير {يُجْيِرُ} يمنع ويحمي من استغاث به يقال: أجرت فلاناً على فلان إِذا أغثته ومنعته منه {هَمَزَاتِ} جمع همزة وهي الدفع والتحريك الشديد وهو كالهز والأزّ، وهمزات الشيطان: كيده بالوسوسة {بَرْزَخٌ} حاجز ومانع قال الجوهري: البرزخ: الحاجز بين الشيئين {كَالِحُونَ} الكلوح: أن تتقلَّص الشفتان وتتباعد الأسنان، وذلك نهاية القبح لوجه الإِنسان.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: نزلت في قصة «ثمامة بن أُثال» لما أسرته السرية وأسلم وخلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سبيله، حال بين مكة وبين الميرة وقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتى يأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأخذ اللهُ قريشاً بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلاب والعلهز قيل وما العلهز؟ قال كانوا يأخذون الصوف والوبر فيبلونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه فقال أبو سفيان: أنشدك الله والرَّحم، أليس تزعم أنَّ الله بعثك رحمة للعالمين؟ قال: بلى، قال فوالله ما أراك إِلا قتلت الآباء بالسيف، وقتلت الأبناء بالجوع فنزل قوله تعالى {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الآيات.
التفسِير:{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ} أي لو رحمنا هؤلاء المشركين الذين كذبوك وعاندوك ورفعنا عنهم ما أصابهم من قحطٍ وجدب وكشفنا عنهم البلاء {لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي لاستمروا وتمادوا في ضلالتهم وتجاوزهم الحدَّ يتردَّدون ويتخبطون حيارى {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب} أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد، وبالقحط والجوع {فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ} أي ما خضعوا لله ولا تواضعوا لجلاله {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أي وما دعوا ربهم لكشف البلاء بل استمروا على العتوّ والاستكبار، والغرضُ أنه لم يحصل منهم تواضع ورجوع إِلى الله في الماضي، ولا التجاءٌ إِلى الله في المستقبل لشدة جبروتهم وطغيانهم {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي حتى إ ِذا جاءتهم أهوال الآخرة وأتاهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي إِذا هم آيسون من كل خير قال أبو السعود: المراد بالعذاب عذاب الآخرة كما ينبئ عنه التهويل والوصف بالشدة والمعنى أنا محناهم بكل محنة من القتل، والأسر، والجوع وغير ذلك فما رؤي منهم لين ولا توجهٌ إِلى الإِسلام إلى أن يروا عذاب الآخرة فحينئذٍ يبلسون وتخضع رقابهم ثم ذكَّرهم تعالى ينعمة ودلائل وحدانيته فقال {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} أي خلق لكم هذه الحواس لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا، وفيه توبيخٌ للمشركين حيث لم يصرفوا النعم في مصارفها، لأن السمع خلق ليسمع به ما يرشده، والبصر ليشاهد به الآيات على كمال أوصاف الله، والعقل ليتأمل به في مصنوعات الله وباهر قدرته فمن لم يصرف تلك النعم في مصارفها فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى