للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأمرهما بالزنى للكسب ويضربهما على ذكل فشكتا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنزلت الآية {لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا} أي لأجل أن تنالوا حطام هذه الحياة الزائل، وتحصلوا على المال بطريق الفاحشة والرذيلة {وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي ومن يجبرهن على الزنى فإن الله غفور لهن رحيم بهن لا يؤاخذهن بالزنى لأنهن أُكرهن عليه وسنيتقم ممن أكرههن شر انتقام {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} أي والله لقد أنزلنا إليكم أيها المؤمنون آيات واضحات وأحكاماً مفصلات {وَمَثَلاً مِّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} وضربنا لكم الأمثال بمن سبقكم من الأمم لتتعظوا وتعتبروا {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} أي وعظة وذكرى للمتقين.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

١ - الاستعارة اللطيفة {لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} شبَّه سلوك طريق الشيطان والسير في ركابه بمن يتتبع خطوات الآخر خطوة خطوة بطريق الاستعارة.

٢ - الإِيجاز بالحذف {أَن يؤتوا} أي أن لا يؤتوا حذفت منه {لا} لدلالة المعنى وهو كثير في اللغة.

٣ - صيغة الجمع للتعظيم {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} والمراد به أبو بكر الصدّيق.

٤ - الجناس الناقص بين {يَعْمَلُونَ} و {يَعْلَمُونَ} .

٥ - المقابلة اللطيفة بين {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ. . والطيبات لِلطَّيِّبِينَ} .

٦ - الطباق بين {تُبْدُونَ. . تَكْتُمُونَ} .

٧ - الإِيجاز بالحذف {يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} لأن المراد غض البصر عما حرَّم الله لا عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاءً بفهم المخاطبين.

٨ - المجاز المرسل {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} المراد مواقع الزينة وهو من باب إطلاق اسم الحال على المحل قال الزمخشري: وذكرُ الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتستر والتصون.

فَائِدَة: قال بعض المحققين: إن يوسف لما رُمي بالفاحسة برّاه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لما رُميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى عليه السلام، وإن عائشة لما رُميت بالفاحشة برأها الله في كتابه العزيز، فما رضي الله لها ببراءة صبيٍّ ولا نبيّ حتى برّأها الله في القرآن من القذف والبهتان.

تنبيه: السرُّ في تقديم غضّ البصر على حفظ الفروج {يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور، وهو مقدمة للوقوع في الخطر كما قال الشاعر:

وكنتَ إذا أَرسلتَ طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيتَ الذي لا كلَّه أنت قادرٌ ... عليه وعلى بعضه أنت صابر

لطيفَة: ذكر أن قسِّيساً أراد أن ينال من المسلمين بالطعن في أم المؤمنين السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقال: إن الناس رموها بالإِفك ولا ندري أهي بريئة أم متهمة؟ فأجابه بضع

<<  <  ج: ص:  >  >>