للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالعباد {وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق} أي وقال المشركون ما لهذا الذي يزعم الرسالة يأكل الطعام كما نأكل، ويمشي في الأسواق لطلب المعاش كما نمشي؟ إِنه ليس بمَلَك ولا مَلِك، لأن الملائكة لا تأكل، والملوك لا تتبذّل في الأسواق، وفي قولهم {مَالِ هذا الرسول} مع إِنكارهم لرسالته تهكم واستهزاء {لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا} أي هلاّ بعث الله معه ملكاً ليكون له شاهداً على صدق ما يدعيه { {أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ} أي يأتيه كنزٌ من السماء فيستعين به ويستغني عن طلب المعاش {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} أي يكون له بستان يأكل من ثماره {وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} أي وقال الكافرون ما تتبعون أيها المؤمنون إِلا إِنساناً سحر فغلب على عقله فهو يزعم أنه رسول الله {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ} أي انظر كيف قالوا في حقك يا محمد تلك الأقاويل العجيبة، الجارية لغرابتها مجرى الأمثال} وكيف اخترعوا تلك الصفات والأحوال الشاذة فضلُّوا بذلك عن الهدى! {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} أي فلا يجدون طريقاً إلى الحق بعد أن ضلوا عنه بتكذيبك وإِنكار رسالتك، ذكروا له عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ خمس صفات وزعما أنه اتُخلُّ بلارسالة زعماً منهم أنَّ فضيلة الرسول على غيره تكون بأمورٍ جسمانية وهي غاية الجهالة والسفاهة فردَّ الله عليهم بأمرين: الأول: تعجيب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من تناقضهم فتارة يقولون عنه شاعر، وتارة ساحر، وأُخرى يقولون إِنه مجنون حتى أصبحت تلك الأقوال الغريبة الشاذة، والأمور العجيبة جارية مجرى الأمثال والثاني: أن الله تعالى لو أراد لأعطى نبيَّه خيراً مما اقترحوا وأفضل مما يتصورون وهو المراد بقوله {تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك} أي تمدَّد وتعظّم الله الكبير الجليل الذي لو أراد لجعل لك خيراً منذلك الذي ذكروه من نعيم الدنيا {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي لو شاء لأعطاك بساتين وحدائق تسير فيها الأنهار لا جنةً واحدة كما قالوا {وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} أي ويجعل لك مع الحدائق القصور الرفيعة المشيدة كما هو حال الملوك قال الضحاك: لما عيَّر المشركون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بافاقةحزن عليه السلام فنزل جبريل معزياً له فبينما النبي وجبريل يتحدثان إذ فُتح باب من السماء فقال جبريل: أبشرْ يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضى من ربك فسلَّم عليه وقال: ربك يخيّرك بين أن تكون نبياً ملكاً، وبين أن تكون نبياً عبداً - ومعه سفط من نور يتلألأ - ثم قال: هذه مفاتيح خزائن الأرض فنظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «بل نبياً عبداً» فكان عليه اسلام بعد ذلك لا يأكل متكأ حتى فارق الدنيا {بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} أي بل كذبوا بالقيامة {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً} أي وهيأنا لمن كذَّب بالآخرة ناراً شديدة الاستعار قال الطبري: المعنى ماكذب هؤلاء المشركون بالله وأنكروا ما جئتهم به من الحق من أجل أنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ولكنْ من أجل أنهم لا يوقنون بالمعاد تكذيباً منهم بالقيامة وأعددنا لمن كذَّب بالبعث ناراً تُسعَّر عليهم وتتَّقد {إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي إِذا رأت جهنم هؤلاء المشركين من مسافة بعيدة وهي خمسمائة عام {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} أي سمعوا صوت لهيبها وغليانها كالغضبان إِذا غلا صدره

<<  <  ج: ص:  >  >>