التفسِير:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} أي كذِّب قوم نوح رسولهم نوحاً، وإِنما قال {المرسلين} لأن من كذَّب رسولاً فقد كذب الرسل {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} أي أخوهم في النسب لا في الدين لأنه كان منهم قال الزمخشري: وهذا من قول العرب: يا أخا بني تميم يريدون يا واحاداً منهم لا في الدين لأنه كان منهم قال الزمخشري: وهذامن قول العرب: يا أخا بني تميم يريدون يا واحداً منهم ومنه بيت الحماسة «لا يسألون أخاهم حين يندبهم»{أَلاَ تَتَّقُونَ} أي ألا تخافون عقاب الله في عبادة الأصنام؟ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي إني لكم ناصح، أمينٌ في نصحي لا أخون ولا أكذب {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} أي خافوا عذاب الله وأطيعوا أمري {وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي لا أطلب منكم جزاءً على نصحي لكم {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} أي ما أطلب ثوابي وأجري إلا من الله تعالى {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرره تأكيداً وتنبهاً على أهمية الأمر الذي دعاهم إليه {قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} أي أنصدّقك يا نوح فيما تقول {واتبعك الأرذلون} أي والحال أن أتباعك هم السفلة والفقراء والضعفاء؟ قال البيضاوي: وهذا من سخافة عقلهم، وقصور رأيهم فقد قصروا الأمر على حطام الدنيا حتى جعلوا اتّباع الفقراء له مانعاً عن اتباعهم وإيمانهم بدعوة نوح {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ليس عليَّ أن أبحث عن خفايا ضمائرهم، وأن أُنقّب عن أعمالهم هل اتبعوني إخلاصاً أو طمعاً؟ قال القرطبي: كأنهم قالوا: إِنما إليَّ ظاهرهم {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} أي ما حسابهم وجزاؤهم إلا على الله فإِنه المطّلع على السرائر والضمائر لو تعلمون ذلك {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} أي لست بمبعد هؤلاء المؤمنين الضعفاء عني، ولا بطاردهم عن مجلسي قال أبو حيان: وهذا مشعرٌ بأنهم طلبوا منه ذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يطرد من آمن من الضعفاء {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي ما أنا إلا نذير لكم من عذاب الله، أخوفكم بأسه وسطوته فمن أطاعني نجا سواءٌ كان شريفاً أو وضيعاً، أو جليلاً أو حقيراً {قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} أي لئن لم تنته عن دعوى الرسالة وتقبيح ما نحن عليه لتكوننَّ من المرجومين بالحجارة، خوفوه بالقتل بالحجارة فعند ذلك حصل اليأس لنوحٍ من فلاحهم فدعا عليهم {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} أي قال نوح يا ربّ إن قومي كذّبوني ولم يؤمنوا بي {فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} أي أي فاحكم بيني وبينهم بما تشاء، واقض بيننا بحكمك العادل {وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين} أي أنقذني والمؤمنين معي من مكرهم وكيدهم {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون} أي فأنجينا نوحاً ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة بالرجال والنساء والحيوان {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الباقين} أي أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أي لعبرة عظيمة لمن تفكر وتدبَّر {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} أي وما أكثر الناس بمؤمنين {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} أي وإِن ربك يا محمد لهو الغالب الذي لا يُقهر، الرحيم بالعباد حيث لا يعاجلهم بالعقوبة، ثم شرع تعالى في ذكر قصة «هود» فقال {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} أي كذبت قبيلة عاد رسولهم هوداً، ومن كذَّب رسولاً