للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدلُّ وأقوى من برهان موسى، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً} هذه هي القصة الثانية في السورة الكريمة وهي قصة «داود وسليمان» والمعنى واللهِ لقد أعطينا داود وابنه سليمان علماً واسعاً من علوم الدنيا والدين، وجمعنا لهما بين سعادة الدنيا والآخرة قال الطبري: وذلك علم كلام الطير والدواب وغير ذلك مما خصَّهم الله بعلمه {وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين} أي وقلا شكراً لله الحمد لله الذي فضلنا بما آتانا من النبوة، والعلم، وتسخير الإِنس والجن والشياطين، على كثيرٍ من عباده المؤمنين {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} أي ورث سليمانُ أباه في النبوة، والعلم والمُلْك دون سائر أولاده قال الكلبي: كان لداود تسعة عشر ولداً فورث سليمانُ من بينهم نبوته وملكه، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء {وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير} أي وقال تحدثاً بنعمة الله: يا أيها الناسُ لقد أكرمنا اللهُ فعلَّمنا منطق الطير وأصوات جميع الحيوانات {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ} أي وأعطانا الله من كل شيء من خيرات الدنيا يعطاها العظماء والملوك {إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين} أي إن ما أُطعيناه وما خصَّنا الله به من أنواع النعم لهو الفضل الواضح الجلي، قاله على سبيل الشكر والمحمدة لا على سبيل العلوّ والكبرياء {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير} أي جمعت له جيوشه وعساكره وأُحضرت له في مسيرةٍ كبيرة فيها طوائف الجن والإِنسِ والطير، يتقدمهم سليمان في أُبَّهة وعظمةٍ كبيرة {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي فهم يُكَفُّون ويمنعون عن التقدم بين يديه قال ابن عباس: جعل كل صنفٍ من يردُّ أولاها على أُخراها لئلا يتقدموا في المسير كما تصنع الملوك {حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل} أي حتى إذا وصلوا إلأى وادٍ بالشام كثير النمل {قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} أي قالت إحدى الن ملات لرفيقاتها ادخلوا بيوتكم، خاطبتهم مخاطبة العقلاء لأنها أمرتهم بما يؤمر به العقلاء {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} أي لا يكسرنَّكم سليمانُ وجيوشه بأقدامهم {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي وهم لا يشعرون بكم ولا يريدون حطمكم عن عمد حذَّرت ثم اعتذرت لأنها علمت أنه نبيٌّ رحيم، فسمع سليمان كلامها وفهم مرامها {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} أي فتبسَّم سروراً بما سمع من ثناء النملة عليه وعلى جنوده، فإِن قولها {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وصفٌ لهم بالتقوى والتحفظ من مضرة الحيوان {وَقَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ} أي ألهمني ووفقني لشكر نعمائك وأفضالك التي أنعمت بها عليَّ وعلى أبويَّ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} أي ووفقني لعمل الخير الذي يقربني منك والذي تحبه وترضاه {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} أي وأدخلني الجنة دار الرحمة عبادك الصالحين.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

١ - الإِشارة بالبعيد عن القريب {تِلْكَ آيَاتُ القرآن} للإِيدان ببعد منزلته في الفضل والشرف.

٢ - التنكير للفخيم والتعظيم {وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} أي كتابٍ عظيم الشأن رفيع القدر.

٣ - ذكر المصدر بدل اسم الفاعل للمبالغة {هُدًى وبشرى} أي هادياً ومبشراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>