للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجادلوهم بالغلظة والشدة قال الإِمام الفخر: إن المشرك لما جاء بالمكر الفظيع كان اللائق أن يُجادل بالأخشن، ويُبالغ في توهين شبهه وتهجين مذهبه، وأما أهل اكلتاب فإنهم آمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام، فلمقابلة إحسانهم يُجادلون بالأحسن إلا الذين ظلموا منهم بإثبات الولد لله، والقول بثلاث ثلاثة فإنهم يُجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم، وتين جهالتهم {وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} أي وقولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا وبالتوراة والإِنجيل التي أنزلت إليكم، قال أبو هريرة: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسورنها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، {وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} {وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي ربنا وربكم واحد لا شريك له في الألوهية، ونحن له مطيعون، مستسلمون لحكمه وأمره {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب} أي وكما أنزلنا الكتاب على من قبلك يا محمد وأمره {فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي فالذين أعطيناهم الكتاب كعبد الله ابن سلام وأمثاله ممن أسلم من اليهود والنصارى يؤمنون بالقرآن {وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ} أي ومن أهل مكة من يؤمن بالقرآن كذلك {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الكافرون} أي وما يكذب بآياتنا وينكرها مع ظهورها وقيام الحجة عليها إلا المتوغلون في الكفر، المصرّون على العناد قال قتادة: وإنما يكون الجحود بعد المعرفة {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} أي وما كنتَ يا محمد تعرف القراءة ولا الكتابة قبل نزول هذا القرآن لأنك أميٌ قال ابن عباس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمياً لا يقرأ شيئاً ولا يكتب {إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون} أي لو كنت تقرأ أو تكتب إذاً لشك الكفار في القرآن وقالوا؛ لعله التقطه من كتب الأوائل ونسبه إلأى الله، والآيةُ احتجاجٌ على أن القرآن من عند الله، لأنه النبي أميّ وجاءهم بهذا الكتاب المعجز، المتضمن لأخبار الأمم اسابقة، والأمور الغيبية، وذلك أكبر برهان على صدقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال ابن كثير: المعنى قد لبثت في قومك يا محمد - من قبل أن تأتي بهذا القرآن - عمراً لا تقرأ كتاباً، ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك يعرف أنك أميٌ لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دائماً إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة، ولا يخط حرفاً ولا سطراً بيده، بل كان له كتَّاب يكتبون له الوحي {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} {بَلْ} للإِضراب أي ليس الأمر كما حسب الظالمون والمبطلون بل هو آيات واضحاتُ الإِعجاز، ساطعات الدلالة على أنها من عند الله، محفوظة في صدور العلماء، قال المفسرون: من خصائص القرآن العظيم أنَّ الله حفظه من التبديل والتغيير بطريقين: الأول: الحفظُ في السطور، والثاني: الحفظُ في الصدور، بخلاف غيره من الكتب فإنها مسطْرة لديهم غير محفوظة في صدروهم ولهذا دخلها التحريف، وقد جاء في صفة هذه الأمة «أنا جيلُهم في صدروهم» وقال الحسن: أُعطيت هذه الأمة الحفظ، وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم

<<  <  ج: ص:  >  >>