لأن الدنيا حقيرة لا تزن عند الله جناح بعوضه، ولقد أحسن من قال
تأملْ في الوجود بعين فكر ... ترى الدنيا الدنيَّة كالخيال
ومَنء فيها جميعاً سوف يفنى ... ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} إقامة حجة ثالثة على المشركين في دعائهم الله عند الشدائد، ثم يشركون به في حال الرخاء والمعنى إذا ركبوا في السفن وخافوا الغرق دعوا الله مخلصين له الدعاء، لعلمهم أنه لا يكشف الشدائد عنهم إلاّ هو، وفي لفظ {مُخْلِصِينَ} ضربٌ من التهكم {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} أي فلما خلَّصهم من أهوال البحر، ونجاهم إلى جانب البر إذا هم يعودون إلى كفرهم وإشراكهم، ناسين ربهم الذي أنقذهم من الشدائد والأهوال {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} أمرٌ على وجه التهديد أي فليكفروا بما أعطيناهم من نعمة الإِنجاء من البحر، وليتمتعوا في هذه الحياة الدنيا بباقي أعمارهم، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} أي أولم ير هؤلاء الكفار، رؤية تفكر واعتبار، أنا جعلنا بلدهم «مكة» حرماً مصوناً عن السلب والنهب، آناً أهله من القتل والسبي، والناسُ حولهم يُسبون ويقتلون؟ قال الضحاك:{وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} أي يقتل بعضُهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ} أي أفبعد هذه النعم الجليلة يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن؟ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَآءَهُ} أي لا أحد أظلم ممن عبد غير الله وكذَّب بالقرآن حين جاءه {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} ؟ أي أليس في جهنم مأوى وموضع إقامة للكافرين بآيات الله جزاء افترائهم وكفرهم؟ {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي والذين جاهدوا النفس والشيطان والهوى ولكفرة أعداء الدين ابتغاء مرضاتنا لنهدينهم طريق السير إلينا {وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} أي مع المؤمنين بالنصر والعون.
البّلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي: