للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأقبلوا على استماع الغناء والمزامير فقال {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} أي ومن الناس من يشتري ما يُلهي عن طاعة الله، ويَصُد عن سبيله، مما لا خير ولا فائدة فيه قال الزمخشري: واللهو كل باطلٍ ألهى عن الخير، نحو السمر بالأساطير، والتحدث بالخرافات المضحكة، وفضول الكلام وما لا ينبغي، وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه سئل عن الآية فقال: والله الذي لا إِله إِلا هو - يكررها ثلاثاً - إٍنما هو الغناء، وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ليُضل الناس عن طريق الهدى، ويُبعدهم عندينه القويم، بغير حجة ولا برهان {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} أي ويتخذ آيات الكتاب المجيد سخرية واستهزاءً، وهذا أدخل في القبح، وأعرقُ في الضلال {أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي لهم عذاب شديد مع الذلة والهوان {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا} أي وإِذا قرئت عليه آيات القرآن {ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} أي أعرض وأدبر متكبراً عنها كأنه لم يسمعها، شأن المتكبر الذي لا يلتفت إِلى الكلام، ويجعل نفسه كأنها غافلة {كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً} أي كأن في أذنيه ثقلاً وصمماً يمنعانه عن استماع آيات الله {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي أنذره يا محمد بعذاب مؤلمٍ، مفرطٍ في الشدة والإِيلام، ووضع البشارة بأشد العذاب.

. ولما ذكر ما وعد به الكفار من العذاب الأليم، ذكر ما وعد به المؤمنين من جنات النعيم فقال {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح، وبين حسن النيّة وإِخلاص العمل {لَهُمْ جَنَّاتُ النعيم} أي لهم على إِيمانهم واستقامتهم على شريعة الله جناتُ الخلد يتنعمون فيها بأنواع الملاذّ، من المآكل والمشارب والملابس، والنساء والحور العين، وسائر ما أكرمهم الله به من الفضل والإِنعام، مما لا عينٌ رأتْ ولا أذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر {خَالِدِينَ فِيهَا} أي دائمين في تلك الجنات، لا يخرجون منها أبداً، ولا يبغون عنها حولاً {وَعْدَ الله حَقّاً} أي وعداً من الله قاطعاً، كائناً لا محالة، لا خلف فيه لأنه الله لا يخلف الميعاد {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي هو تعالى العزيز الذي لا يغلبه شيء ليمنعه عن إِنجاز وعده، الحكيم الذي لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة. . ثم نبّه تعالى إِلى دلائل قدرته، وآثار عظمته وجلاله لإِقامة البراهين على وحدانيته فقال {خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي خلق السماوات في سعتها وعظمتها وإِحكامها بدون دعائم ترتكز عليها، حال كونكم تشاهدونها كذلك واقفة من غير أن تستند على شيء، ولا تمسكها إِلا قدرة الله العليّ الكبير {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} أي جعل فيها جبالاً ثوابت لئلا تتحرك وتضطرب بكم فتهلككم بأن تقلبكم عن ظهرها، أو تهدم بيوتكم بتزلزلها قال الإِمام الفخر: واعلم أن الأرض ثباتُها بسبب ثقلها، وإِلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه

<<  <  ج: ص:  >  >>