للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (١).

فالمثل الأول ضربه الله - عز وجل - لأعمال الكفرة الذين جحدوا توحيده، وكذّبوا بالقرآن وبما جاء به، مَثَلُ أعمالهم التي عملوها كسرابٍ بقِيعةٍ - جمع قاعٍ - يحسبه العطشان ماءً، حتى إذا جاءه ملتمساً ماءً يستغيث به من عطشه لم يجد السراب شيئاً، فكذلك الكافرون بالله من أعمالهم التي عملوها في غرور، يحسبون أنها منجيتهم عند الله من عذابه كما حسب الظمآن السراب ماءً، فظنه يرويه من ظمئه، حتى إذا هلك وصار إلى الحاجة إلى عمله الذي كان يرى أنه نافعه عند الله لم يجده ينفعه شيئاً؛ لأنه عمله على كفرٍ بالله، ووجد هذا الكافرُ اللهَ عند هلاكه بالمرصاد، فوفّاه يوم القيامة حساب أعماله التي عملها في الدنيا، وجازاه بها جزاءه الذي يستحقه عليها منه.

والمثل الثاني: ضربه الله - عز وجل - في بطلان أعمال الكفار، مثل ظلمات في بحر عميق كثير الماء، يغشاه موج، ومن فوق الموج موج آخر يغشاه، ومن فوق الموج الثاني سحاب، فجعل الظلمات مثلاً لأعمالهم، والبحر اللُّجّيِّ مثلاً لقلب الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات: يغشاه الجهل بالله؛ لأن الله ختم عليه فلا يعقل عن الله، وختم على سمعه فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حق الله، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض (٢)، وهذا كقوله - عز وجل -: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ


(١) سورة النور، الآيتان: ٣٩ - ٤٠.
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، ١٩/ ١٩٥ - ١٩٩، وأمثال القرآن، لابن القيم، ص٢٢، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٣/ ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>