للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني: أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (١).

والمراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري فليس مني (٢).

واتّضح مما سبق أن البدعة على قسمين: بدعة فعلية، وبدعة تركية، كما ظهر أن السنة على قسمين: سنة فعلية وسنة تركية، فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكما كلفنا الله باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله الذي يتقرب به إلى الله - إذا لم يكن من باب الخصوصيات -، كذلك طالبنا باتباعه في تركه، فيكون الترك سنة، والفعل سنة، وكما لا نتقرّب إلى الله بترك ما فعل، لا نتقرّب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك، كالتارك لما فعل، ولا فرق بينهما (٣).


(١) متفق عليه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح،
٦/ ١٤٢، برقم ٥٠٦٣، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه،
٢/ ١٠٢٠، برقم ١٤٠١.
(٢) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ٩/ ١٠٥.
(٣) انظر: الاعتصام للشاطبي، ١/ ٥٧ - ٦٠، و ٤٧٩، ٤٨٥، ٤٩٨، والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، لجلال الدين السيوطي، ص٢٠٥، وأصول في البدع، للشيخ محمد أحمد العدوي،
ص٧٠، وحقيقة البدعة وأحكامها، لسعيد بن ناصر الغامدي، ٢/ ٣٧ - ٥٨، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص٩٧، وعلم أصول البدع للشيخ علي بن حسن الأثري، ص١٠٧، وتحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين، للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي، ص٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>