ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى أنه:(يُستحب لصاحب الغيبة أن يبرئ المغتاب منها، ولا يجب عليه ذلك؛ لأنه تبرع وإسقاط حق، فكان إلى خيرته (١)، ولكن يستحب له استحبابًا مؤكدًا الإبراءُ ليخلِّص أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: ١٣٤]، وطريقه في تطييب نفسه بالعفو أن يذكِّر نفسه أن هذا الأمر قد وقع، ولا سبيل إلى رفعه، فلا ينبغي أن أفوّت ثوابه، وخلاصَ أخي المسلم، وقد قال الله تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى: ٤٣]، وقال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ}[الأعراف: ١٩٩]، الآية، والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة.
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " والله في عون العبد ما كان
(١) وقد سُئل الإمام ابن الصلاح رحمه الله: عن رجل اغتاب رجلاً مسلمًا، وجاء إليه، وقال له: " قد اغتبتك، وقلت عنك: كذا، وكذا، اجعلني في حل "، فما فعل بجعله في حل، هل هو مخطيء بكونه لم يجعله في حل؟ وهذا الذي اغتابه بقي عليه تبعة منه أم لا؟ فأجاب رحمه الله: (ليس عليه أن يجعله في حل، ولكن حرم نفسه فائدة العفو، ومثوبة إسعاف السائل، والتبعةُ باقية على المغتاب، وينبغي أن يكثر من أن يقول: " اللهم اغفر لي، ولمن اغتبته، ولمن ظلمته "، وقد رُوي في حديث لا أعلم يقوى إسناده: " كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته "، وإن يثبت؛ فله أصل، والله أعلم) اهـ. من " فتاوى ابن الصلاح " ص (٣١).