للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصل في النصيحة الإِسرار بها:

فإن الناصح ليس غرضه إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها، فمهما أمكن النصيحةُ في السر، فلا ينبغي العدول عنها إلى المجاهرة بها في الملإ، قال الفضيل رحمه الله: " المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير "، وقال الإمام الشافعي -رحمه الله- في هذا المعنى:

تعهدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تغضب إذا لم تُعْطَ طاعه (١)

وحكى الأصمعي أن الخليفة هارون الرشيد قال له: " وقِّرنا في الملإ، وعلِّمنا في الخلاء " (٢).

وعن سفيان قال: (قلت لمسعر: " تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ "، قال: " أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها: فلا، وأما أن يجيء ناصح: فنعم ").

وعن ابن المبارك قال: " كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في ستره، ويؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحدٍ ما يكره استغضب أخاه، وهتك ستره ".

و (قال الحسن بن عُلَيْل: حدثنا يحيى بن معين، قال: " أخطأ عفان في نَيِّفٍ وعشرين حديثًا، ما أعلمتُ بها أحدًا؛ وأعلمتُه سِرّاً، ولقد طلب إليَّ خلف بن


(١) " الفرق بين النصيحة والتعيير " ص (٢٨ - ٢٩).
(٢) " تاريخ بغداد " (١٤/ ٩).

<<  <   >  >>