(٢) يشير بهذا إلى مذهب الشافعية والحنابلة، وهو رواية عن مالك، الذين يرون أن الرخص لا تناط بالمعاصي، فمن أنشأ سفرًا يعتبر في ذاته معصية كالمرأة الناشز، والمسافر لظلم الناس، لا يباح له الاستفادة من الرخص الشرعية كيلا يعان على المعصية، فلا تحل الميتة للمسافر العاصي بسفره إذا اضطر إلى أكلها لحفظ حياته، إلا أن يتوب ويقلع عن المعصية فيحل له الأكل منها، وذلك لأنه قادر على استباحة الميتة بالتوبة. (٣) وذلك أن أبا بكر لما حلف أن لا ينفق عليه، ولا ينفعه بنافعة أبدًا، جاء مسطح، فاعتذر، وقال: " إنما كنت أغشى مجالس حسان، فأسمع، ولا أقول ". (٤) وذلك حين نزل قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٢٢] وفيه ترغيب عظيم في العفو، ووعد كريم بمقابلته، كأنه قيل: {أَلا تحِبّونَ أن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}؟ فهذا من موجباته، وصح أن أبا بكر رضي الله عنه لما سمع الآية قال: " بلى والله يا ربنا! إنا لنحب أن تغفر لنا "، وأعاد له نفقته. (٥) " محاسن التأويل " (١٢/ ٤٥٠٠).