والثاني: الجدال بالشغْب والتمويه نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه، قال الله تعالى:{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}[غافر: ٥].
وأما جدال المُحِقِّين فمن النصيحة في الدين، ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا:{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}[هود: ٣٢]، وجوابه لهم:{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود: ٣٤].
وعلى هذا جرت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فقال:" جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "، فأوجب المناظرة للمشركين، كما أوجب النفقة والجهاد في سبيل الله، وعلَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع السؤال في موضعه، وكيفية المحاجة في الحديث الذي ذكر فيه محاجة آدم وموسى عليهما السلام) إلى أن قال رحمه الله:(وقد تحاج المهاجرون والأنصار، وحاجَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الخوارج بأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب الحق)(١) اهـ.
ومتى ما مارى الطالب شيخه خرج المتعلم عن الوقار، وخزن الأستاذ علمه عنه، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: (من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال، ولا تعنته في الجواب، وأن لا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشين له سرًّا، ولا تغتابن عنده أحدًا ولا تطلبن عثرته، وإن زل فاقبل معذرته،