ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع هذه المناصب الرفيعة والدرجات العالية الشريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التواضع، وذلك يدل على كونه عليه الصلاة والسلام آتيا في طلب العلم بأعظم أنواع المبالغة، وهذا هو اللائق به، لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر، كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر، فكان طلبه لها أشد، وكان تعظيمه لأرباب العلم أكمل وأشد.
الحادي عشر: أنه تعالى قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} فأثبت كونه تبعًا له أولاً، ثم طلب ثانيًا أن يعلمه، وهذا منه ابتداء بالخدمة، ثم في المرتبة الثانية طلب منه التعليم.
الثاني عشر: أنه تعالى قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} فلم يطلب على تلك المتابعة على التعليم شيئًا، كأنه قال: لا أطلب منك على هذه المتابعة المال والجاه ولا غرض لي إلا طلب العلم) (١) اهـ.
وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
(تأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله، وخطابهم وسؤالهم، كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به؟
قال المسيح عليه السلام:{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}[المائدة: ١١٦]، ولم يقل: لم أقله، وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب، ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره، فقال:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} ثم برأ نفسه عن علمه بغيب