للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا قال سبحانه وتعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم١١: ١٢]، أي ما كذَب الفؤاد ما رآه ببصره.

ولهذا قرأها أبو جعفر " ما كذب الفؤاد ما رأى " -بتشديد الذال- أي لم يكذّب الفؤاد البصر، بل صدقه وواطأه، لصحة الفؤاد والبصر، أو استقامة البصيرة والبصر، وكون المرئي المشاهد بالبصر والبصيرة حقًا، وقرأ الجمهور {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} بالتخفيف، وهو متعد، و (مَا رَأَى) مفعوله , أي ما كذب قلبُه ما رأته عيناه، بل واطأه ووافقه، فلمواطاة قلبه لقالَبه، وظاهره لباطنه، وبصره لبصيرته: لم يكذب الفؤاد البصر، ولم يتجاوز البصر حَدَّه فيطغى، ولم يمل عن المرئي فيزيغ؛ بل اعتدل البصر نحو المرئي، ما جاوزه ولا مال عنه، كما اعتدل القلب في الإقبال على الله، والإعراض عما سواه، فإنه أقبل على الله بكليته , وللقلب زيغ وطغيان، كما للبصر زيغ وطغيان، وكلاهما منتفٍ عن قلبه وبصره، فلم يزغ قلبه التفاتًا عن الله إلى غيره، ولم يطغ بمجاوزته مقامه الذي أقيم فيه.

وهذا غاية الكمال والأدب مع الله الذي لا يلحقه فيه سواه.

فإن عادة النفوس، إذا أقيمت في مقام عال رفيع: أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه، ألا ترى أن موسى - صلى الله عليه وسلم - لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة؛ طلبت نفسه الرؤية؟ ونبينا - صلى الله عليه وسلم - لما أقيم في ذلك المقام؛ وفاه حقه، فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أقيم فيه ألبتة؟

ولأجل هذا ما عاقه عائق، ولا وقف به مراد، حتى جاوز السموات السبع حتى عاتب موسى ربه فيه، وقال: " يقول بنو إسرائيل: إِني كريم الخلق على الله، وهذا قد جاوزني وخَلَّفني علوًا، فلو أنه وحدهـ؟ ولكن معه كل أمته ".

<<  <   >  >>