للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: ٣]، ويُقابَلُ ذلك بما لسلمان الفارسي من الفضل والمكانة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ولقد أجاد من قال:

لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ ... وقد وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهب

وقد أجمع العلماء على أن الرجل إن مات، وليس له من الأقرباء إلا ابن كافر؛ أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام، ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر، والميراث دليل القرابة، فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية) (١).

واعتبر ذلك أيضًا بقول الله تعالى مخاطبًا نوحًا عليه السلام في شأن ابنه الكافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤٦]، لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: " ألا وإن وليَّ محمد من أطاع الله، وإن بعدت لُحْمَتُهُ، ألا وان عدو محمد من عصى الله، وإن قربت لحمته " (٢).

كان الحافظ ابن حجر رحمه الله يقرأ أجزاء على شيخه إبراهيم بن داود الآمدي برهان الدين، فقال في قراءته عليه تأدبًا: " أخبركم -رضي الله عنكم وعن والديكم- .. "، فنظر إليه الآمدي منكرًا، وقال: " ما كان على الإسلام (٣)! " (٤).

لقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يجب موالاة كل مسلم بحسب موالاته لله ورسوله والمؤمنين، وأنه يُحب ويوالي بقدر نصرته للمؤمنين، ونكايته في أعداء


(١) بتصرف من " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (٣/ ٤٠١ - ٤٠٨).
(٢) انظر: " محاسن التأويل " للقاسمي (٩/ ٣٤٤٨ - ٣٤٤٩).
(٣) لأن أباه مات على النصرانية وهو صغير، فحمله وصيه الشيخ عبد الله الدمشقي إلى مجلس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فأسلم عليه.
(٤) " الدرر الكامنة " (١/ ٢١).

<<  <   >  >>